Tuesday, December 25, 2007

Caramel (Sukkar Banat)

سكر بنات
غيث عمر

لا شك أن فيلم سكر بنات (كراميل) هو فيلم نسوي الطابع، لكنه ظل مع ذلك قريباً من المشاهد من كلا الجنسين. فرغم أن الفيلم يتعرض لحياة مجموعة من النساء يعشن في بيروت، ورغم أنه يحرص على تغييب صورة الذكر قدر الإمكان، إلا أن الفيلم جاء واقعياً بدرجة مدهشة، من خلال تفاصيل الحياة اليومية التي يعرضها بدقة، كما عودتنا السينما اللبنانية التي طالما كانت صريحة إلى أبعد الحدود.
الفيلم الذي يستمد اسمه من مادة السكر التي تستعملها النساء لانتزاع الشعر عن أجسادهن، من اخراج اللبنانية نادين لبكي التي اشتهرت بإخراج عدة فيديوكليبات بالإضافة إلى التمثيل في أفلام أخرى، فجاء هذا الفيلم العميق والخفيف الظل مفاجئاً بعض الشيء. والفيلم من بطولة المخرجة التي شاركت أيضاً في كتابة السيناريو ومن بطولة مجموعة من الشباب والشابات الذين تمت ادارتهم بشكل جيد للحصول على أداء جيد من معظم الشخوص.
يتعرض الفيلم لحياة أربع شابات يعملن في صالون للتجميل في بيروت، وينحدرن من عائلات متوسطة الحال ومحافظة سواء أكانت مسلمة أم مسيحية. وتتعدد قصصهن فالبطلة ليال تحب شخصاً لم يظهر طوال الفيلم إلا من ظهره أو من بعيد، وكل ما نعرفه عنه أنه متزوج ولديه ابنة، وقد سهّل عدم ظهوره في الفيلم من عملية طرحه كشخص لا يخون زوجنه وحسب، بل يعامل عشيقته أيضاً بمنتهى الدناءة والحقارة، ونلاحظ طوال الفيلم أن الذكر هو الغائب الحاضر، فهو لا يؤثر في الأحداث بشكل مباشر، لكنه السبب فيها بطريقة أو بأخرى، فالنساء اللواتي يعملن في مكان محرّم على الرجال، لم يستطعن التخلص من سلطته ونفوذه. وهناك أيضاً نسرين الشابة المسلمة التي على وشك الزواج، ولكنها تخضع لعملية لاعادة ما فقدته في علاقة سابقة لا يدري خطيبها شيئاً عنها.
قصة جمال هي قصة تقليدية، فهي مطلقة تعيش مع ولديها بعيداً عن طليقها الذي يهمل أولاده ليظل مع عشيقته، بينما تحاول جمال -كامرأة في منتصف العمر- التشبث ببقايا شبابها وجمالها، فتخدع من حولها بإظهار أن دورتها الشهرية ما زالت منتظمة، بينما هي –في الحقيقة- قد جاوزت سن اليأس. وفي هذا الفيلم الملئ بالرموز، قد تكون قصة ريما –الشابة الرابعة في الصالون- هي الأكثر رمزية وامتلاءاً بالإشارات التي لا يجرؤ المجتمع على طرحها، فريما ترتدي ملابساً شبيهة بملابس الرجال دائماً، ومن ثم تنشأ علاقة غريبة بينها وبين زبونة جميلة باتت تتردد على الصالون لتغسل ريما شعرها، فكأنهما سحاقيتان تمارسان الحب عن طريق هذه الطقوس، وتقترح ريما على الزبونة أن تقص شعرها لتصبح مثلها، فترد الزبونة بأن أهلها سيثورون ان هي قامت بذلك، لتقوم في نهاية الفيلم بقص شعرها متحررة من سلطة العائلة وكاسرة التابو.
ونعرف منذ بداية الفيلم أن الشرطي يوسف يحب ليال، ولكنها تكرهه لسماجته، فتكون أكثر مشاهد الفيلم رمزية عندما تقوم الفتيات بسحب الذكر إلى عالمهن (صالون التجميل) الذي يعتبر من المحرمات على الذكور، فيدخل وراء الباب المغلق ويكون في غاية الارتباك، وتقمن بعد ذلك بازالة شاربه وبعض شعر وجهه بالسكر، في طقوس شبيهة بالتطهير الكنسي حيث تقاطعت هذه المشاهد مع مشهد العيد الذي يعرض رجال الكنيسة والأطفال يمشون في الشوارع ويغنون التراتيل الكنسية. ليكتسب بعد مروره بهذه الطقوس الأنثوية تعاطف وحب المشاهد، فكأن العلاقة السوية بين الرجل والمرأة قائمة على تخلي الذكر عن غروره والتسليم بالمساواة التي هي أساس أي علاقة سوية.
تميز الفيلم منذ بدايته بسينماتوغرافيا في غاية الاتقان، وكانت لقطاته مصورة ببراعة، وكانت اللقطات القريبة على الوجوه قليلة ومستخدمة بحكمة، فلم تقطع تدفق المشاهد. وكانت معظم اللقطات البعيدة ثابتة وتحتوي على قدر من العمق والرمزية. وقد يرجع الفضل هنا إلى الفريق الذي ساعد المخرجة التي كانت أمام الكاميرا معظم وقت الفيلم.
يحتوي الفيلم على أغنيتين من غناء رشا سلامة جاءتا متناسبتين مع نسق الفيلم وأحداثه، فكانتا مكملتين للفيلم على عكس معظم أفلام اليوم التي تجيء فيها الأغنية منفصلة عن محتوى الفيلم ومعاكسة لإيقاعه. وتم استخدام الموسيقى الكلاسيكية في جزء كبير من الفيلم كموسيقى للخلفية، بينما كانت الموسيقى قدسية في مشهد العيد المسيحي.
قصة الفيلم جاءت بسيطة وسلسة، دون أحداث درامية ضخمة، معتمدة على بناء الحدث بهدوء ودون ضجة. فلم تتصاعد حدة المشهد لدرجة الانفجار إلا مرة أو مرتين وفي مشاهد قصيرة نسبياً. وتخلى السيناريو أحياناً عن الحوار، مكتفياً بلغة العيون والجسد، تاركاً للمشاهد القدرة على استنباط الفكرة.
حاولت المخرجة من خلال الفيلم التعرض لأكبر عدد من قضايا المرأة التي يواجه المجتمع الشرقي صعوبة في فهمها والتعامل معها، وكان تعاملها معها في غاية البساطة والتساهل، فلم تظهر الفتاة التي أقامت علاقة خارج الزواج بالصورة النمطية التي درجت الأفلام على عرضها، والتي تظهر الفتاة كأنها تعيش حياة عابثة، ولكنها تندم على ما اقترفته ومن ثم تعود إلى السراط القويم. وفضلت عرض قضية المثليات جنسيا من بعيد، مكتفية بالرمز، فلم يقع الكتاب في فخ الوعظ المباشر الثقيل على القلب.

2 comments:

Anonymous said...

"سكر بنات" يتجه في مسار أفقي مسطح، في خيوط فرعية تفتقر إلى الركن الأساسي الذي تستند عليه، ويدفع الأحداث والشخصيات إلى أن تواجه نفسها والمجتمع بجرأة، مواجهة تكشف الأسس الزائفة للثقافة السائدة، وإنما بدا وكأنه يشير من بعيد إلى الجرح دون أن يقترب منه أو يحاول فتحه، أو كما لو كانت صاحبته تكتفي باطلاق "نكتة" عابرة وتتوارى.

لبكي تبدو وكأنها تلمس عددا من القضايا المتعلقة بوضعية المرأة في مجتمع "متخلف"، إلا أنها تخشى الاقتراب منها بشكل حقيقي جاد، لذا تكتفي بالقشور والأنماط السريعة العابرة، لأنها لا تقول لنا - بشكل فني بالطبع- من المسؤول عن التخلف، ومن المسؤول عن الخضوع والتبعية: تبعية المرأة للرجل، وتخلف الاثنين معا، ومن يقمع الجميع.

وهي تجعل من الرجل في الفيلم (ضابط المرور) شخصية كاريكاتورية، تمعن في السخرية منها عندما تجعل الفتيات داخل صالون الحلاقة يعبثن بوجهه، يغيرن من ملامحه ويقمن بازالة رمز الذكورة العربي التقليدي (الشارب).

prometheus said...

الفيلم ابتعد عن السياسة بشكل واضح
رغم ذلك هناك مشهد يتحدث عن قمع السلطة للشعب.
صورة الرجل في الفيلم لا تنحصر في ضابط المرور، ومع ذلك فصورة هذا الرجل بالذات تتغير في نهاية الفيلم، بعد عملية الحلاقة الشبيهة بالتطهير الروحي\الكنسي (مذكور في المقال بدقة)

بالإضافة إلى أن الفيلم يملك قيمة فنية لا بأس بها بغض النظر عن المضمون.