Wednesday, January 30, 2008

أكيرا كوروساوا - بيوغرافيا



غيث عمر

"بالنسبة لي، عمل الأفلام يدمج كل شيء معاً، لهذا جعلت من السينما عمل حياتي. في الأفلام يلتقي الرسم والأدب، والمسرح والموسيقى. رغم ذلك يظل الفيلم فيلماً." قال هذه العبارة المخرج العبقري أكيرا كوروساوا الملقب بالامبراطور. الذي يعد من أهم ثلاثة مخرجين في تاريخ السينما، ويشير المخرج هنا إلى علاقة السينما بالرسم والأدب الذين اهتم بهما منذ صغره.



كان أكيرا الأخ الأصغر لسبعة اخوة وأخوات، ولد عام 1910 لعائلة ميسورة الحال في ضواحي طوكيو، وكان والده متأثراً بالعادات الغربية فاصطحب عائلته مراراً إلى الأفلام التي كانت حديثة في ذلك العهد. تأثر أكيرا الفتى كثيراً بمدرسه الذي شجعه على ممارسة هواية الرسم، وتأثر أكثر بأخيه "هيجو" الذي عشق السينما وكان لانتحاره في منتصف عشريناته أثراً كبيراً على أكيرا الشاب.
في سن السادسة والعشرين عمل كوروساوا مساعد مخرج، ويقول كوروساوا أن هذه المهنة هي التي علمته أصول الإخراج، فقد كان مساعد المخرج في اليابان وقتها يضطلع بدور مهم في تصميم الملابس والديكور والإضاءة والتصوير ويعمل مع الممثلين عن قرب، فاكتسب مهارات مكنته في عام 1943 من اخراج فيلمه الأول "حكاية الجودو البطولية" الذي يعتبر نوعاً من البروباغاندا ضد الولايات المتحدة، حيث يحكي قصة عن تفوق رياضة الجودو اليابانية على الملاكمة الأمريكية، وكانت معظم أفلامه في الأربعينات ذات مضمون وطني قد لا يخلو من التسطيح، حيث أن جميع أفلامه كانت مراقبة من السلطات اليابانبة والأمريكية التي منعت فيلمه "الرجل الذي داس على ذيل النمر".
يعتبر فيلم "راشومون" المنتج في 1950 من أهم أفلام المخرج، وهو الفيلم الذي جعل منه أشهر مخرج آسيوي على الإطلاق، فقد نال الفيلم جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية الدولي، وكان أول فيلم ياباني ينال شهرة عالمية، ويعرض خارج اليابان على نطاق واسع، وأخرج كوروساوا على مدى الخمسة عشرة عاماً اللاحقة عدداً من أفلام الساموراي، أو أفلاماً مقتبسة عن قصص ومسرحيات من غرب، وكانت أفلامه هذه تلاقي نجاحاً هائلاً، وكثيراً ما اقتبس الغرب عنها لصنع أفلام مثل "السبعة المدهشون" المأخوذ عن فيلم "الساموراي السبعة"، وفيلم سيرجيو ليوني "من أجل حفنة من الدولارات" المقتبس عن فيلم "يوجمبو".


أخذ النقاد في اليابان على كوروساوا تأثره بالثقافة الغربية، فقد أخرج فيلماً عن رواية دوستويفسكي "الأبله"، وأخرج أفلاماً عن مسرحيات لشكسبير، وغير ذلك. فكانت أفلامه تحقق نجاحاً أكبر في الغرب.
واجه كوروساوا منذ منتصف الستينات مشاكل في التمويل، فقد كانت كل مشاريعه تلغى، ولم يخرج خلال خمسة أعوام إلا فيلماً لاقى فشلاً تجارياً، فحاول الانتحار في عام 1971، وجرح معصمه ثلاثين مرة، لكنه لم يمت لحسن الحظ. وجاءه عرض من الاتحاد السوفييتي باخراج فيلم بميزانية مفتوحة وأن يختار النص الروسي الذي سيستعمله للفيلم، فاختار مذكرات مكتشف في بدايات القرن العشرين يقوم برحلة في سيبيريا، ليخرج عام 1975 فيلم "ديرسو أوزالا" –فيلمه الوحيد الناطق بغير اليابانية- الذي نال جائزة الأوسكار.
بعد ذلك أخرج كوروساوا فيلمين ضخمين هما "كاجيموشا"1980 الذي قام بتمويله اثنان من أشهر المخرجين في الولايات المتحدة "فرانسيس كوبولا" و"جورج لوكاس". و فيلم "ران"1985 بتمويل من منتج فرنسي، وكان هذا الفيلم مشروعاً عمل عليه كوروساوا لمدة عشرة أعوام. وأخرج في بداية التسعينات ثلاثة أفلام كانت على كم كبير من الخصوصية والشفافية. وتوفي كوروساوا عام 1998 مخلفاً وراءه ثلاثين فيلماً من إخراجه.
من المعروف عن كوروساوا أنه كان يطلب الكمال في عمله، فقد قام في فيلم "راشومون" بصبغ المياه –التي ستستعمل لتصوير مشاهد المطر- بالحبر حتى يكون المطر ثقيلاً، وقام باستعمال كل مخزون المنطقة من احتياطي المياه في تصوير فيلمه. وكان يوزع ملابس الشخوص على الممثلين قبل التصوير بأسابيع كي يعتاد الممثلون عليها. وكان غالباً ما يعمل مع نفس الأشخاص في طاقم العمل أو الممثلين، وتعتبر شراكته مع الممثل "توشيرو ميفونِه" من أشهر ثنائيات المخرج-الممثل في السينما العالمية، فقد عملا معاً في 16فيلماً.
استعمل كوروساوا أسلوب مسح الإطار "frame wipes" في الانتاج عند التنقل بين المشاهد، وقد اشتهر هذا الأسلوب عندما تأثر به جورج لوكاس لاحقاً، واستعمله في سلسلة أفلام "حرب النجوم"، كما تأثر بسيرغي أيزنشتاين وتقنياته في المونتاج. كان كوروساوا يحرص على الابتعاد عن ممثليه، وكان غالباً يصورهم في لقطات متوسطة، لاعتقاده أن هذا يعزز من قدراتهم التمثيلية. ويتم تدريس أسلوب كوروساوا في تقطيع اللقطات في كثير من المراجع المتخصصة في الدراسات السينمائية.
وتتميز أفلامه باستعمال الأحوال الجوية للدلالة على الحالة النفسية للفيلم بشكل عام، فيستعمل المطر والثلج والضباب والحرارة الشديدة كأنها جزء من الديكور، ويطوّعها لخلق الأجواء المناسبة للفيلم. يقال أن المخرج جون فورد –وهو المخرج المفضل لدى كوروساوا- قال له عندما التقاه مرة بأنه لاحظ أن كوروساوا يحب المطر، فقال كوروساوا "لا بد أنك تتابع أفلامي جيداً".
رغم أنها ليست واقعية تماماً، إلا أن أفلام كوروساوا تبتعد عن الانطباعية، ويتم استخدام الرمز فيها بحذر وبحدود، خاصة في أفلامه الأولى، إلا أن أفلامه الأخيرة جاءت أكثر انطباعية، ففيلمه "أحلام كوروساوا" 1990 جاء في غاية السريالية، واحتوى كماً هائلاً من الرموز التي كانت حاضرة دائماً في خيال المخرج، فكأن أفلامه الأخيرة هي نوع من المذكرات أو الاعترافات أو البحث عن الخلاص عن طريق تعرية الذات.