Sunday, March 16, 2008

حرب تشارلي ويلسون


غيث عمر
رغم أن عدة أفلام تتحدث عن غزو العراق وأفغانستان، وما خلفه هجوم 11\أيلول منذ حدوثه، إلا أنه من المثير للاهتمام أن يظهر هذا مؤخراً فيلم حربي، يعتبر ضخماً بالنظر إلى نجومه وايراداته، رغم أنه يتحدث عن الحرب الأفغانية-السوفييتية، والدور الذي لعبته الولايات المتحدة آنذاك.
فيلم “Charlie Wilson’s war” هو أحدث بطولة للممثل الأمريكي الأشهر "توم هانكس" الحائز على جائزة الأوسكار مرتين على التوالي، يقوم فيها بدور عضو الكونجرس الذي يحمل الفيلم اسمه. يشاركه البطولة كل من نجمة هوليوود "جوليا روبرتس" في دور "Joan"، والممثل الموهوب "فيليب سيمور هوفمان" الذي بات وجهاً مألوفاً في كثير من الأفلام مؤخراً، سواء في دور البطولة أم في أدوار ثانوية شديدة التنوع، يلعب هنا دور رجل مخابرات في “CIA” اسمه "Gust". هذه الأسماء بحد ذاتها كافية لتغري أي منتج بانتاج الفيلم، فأرباحه مضمونة، ربما كان هذا سبباً دفع توم هانكس إلى انتاجه بنفسه.
عندما يشاهد تشارلي تقريراً متلفزاً عن المجاهدين، يسأل تشارلي أحد الموظفين في الكونغرس عن ميزانية العمليات المخصصة لأفغانستان، ويطلب منه أن يرفعها من خمسة ملايين إلى عشرة ملايين. عند ملاحظة اهتمامه بالقضية، تتصل به جوان –امرأة ثرية من تكساس- لتطلب منه حضور فيلم عن الوضع في أفغانستان.
ترتب له بعد ذلك رحلة إلى باكستان، ليلتقي بالرئيس "ضياء الحق". في مشهد اللقاء بين تشارلي والرئيس ومساعديه، يتم تصوير الباكستانيين على أنهم محدودي الذكاء إلى حد ما، ومباشرون وعدوانيون في تعاملهم. ويزور بعد ذلك مخيمات اللاجئين على الحدود مع أفغانستان، ليرى آثار العدوان السوفييتي الغاشم على الأفغان معدومي الحيلة.
يعود تشارلي من باكستان ويطلب أن يلتقي فوراً بموظف من الاستخبارات ليبحث معه المسألة، ليقابل "غاس"، رجل الاستخبارات يوناني الأصل، ذو الخبرة الواسعة في الاستخبارات. يكتشفان أنهما يحتاجان إلى أسلحة سوفييتية الصنع –حتى لا تتورط الولايات المتحدة بشكل مباشر- ولا تتوفر هذه الأسلحة إلا عند مصر واسرائيل، فيقرران أن يقوما بجولة في الشرق الأوسط.
تبدأ الجولة بزيارة اسرائيل –التي يعتبر تشارلي أنه رجلها في الكونغرس- ويتحدث الرجلان مع شخص من الموساد، يعدهم بتوفير أسلحة لهم، رغم عدم ثقته بتعاون يضم مصر والسعودية ودولتان أخريان –باكستان وأفغانستان- لا تعترفان بحق اسرائيل في الوجود. يزوران بعد ذلك مصر، حيث يستغلان راقصة ليحقق وزير الدفاع كل مطالبهم، وبعد احتفال مع الرئيس الباكستاني –الذي يطالب أن يبقى التحالف مع اسرائيل سرياً- يتم الإعلان أن السعودية ستدفع مبلغاً يعادل ما ستدفعه الولايات المتحدة.
هناك بعد ذلك سلسلة من المشاهد القصيرة التي تمثل الرفع التدريجي للدعم المالي والحربي للمجاهدين، إلى أن يصل إلى مليار دولار تتحملها كل من الولايات المتحدة والسعودية مناصفة. ومن ثم مشاهد أخرى عن خسائر القوات السوفييتية ومن ثم خروج السوفييت من أفغانستان. يلي بعد ذلك مشاهد أخرى عن رفض الولايات المتحدة تقديم أي مبلغ مهما صغر للبنى التحتية والمدارس في أفغانستان التي لم تكن أكثر من ساحة حرب لم تخسر فيها الولايات إلا الأسلحة، ولم يكسب منها الأفغان إلا الأسلحة.
الفيلم يتميز بحواره الساخر ومشاهده الطريفة طول مدته البالغة تسعين دقيقة، رغم أن محتواه السياسي كان ولا يزال مهما، بل وفعّالاً حتى هذه اللحظة. الملاحظ أن الكوميديا في هذا الفيلم أقرب إلى المسلسلات التلفزيونية، ذات القفشات المضحكة، لكنها ليست ملائمة لفيلم سياسي كهذا، ربما لأن الجمهور الأمريكي لا يستطيع ابتلاع السياسة إلا مع الكثير من النكتة.
شخصيات الفيلم هي كشخصيات أي فيلم أمريكي حربي، هناك الأبطال الذين يلحقون الهزيمة بالأعداء، هناك واحد أو اثنان من السياسيين الذين يرفضون القيام بأي خطوة إيجابية لمساعدة الأبطال، الذين يتميزون وحدهم بالذكاء والسخرية، بل والقدرة على فهم الدعابة. بالإضافة إلى افقتارها للدافع، عدا عن الكره المطلق للسوفييت، نحن لا نعرف لماذا تهتم امرأة ثرية من تكساس بلاجئين أفغان.
الفيلم في غاية الضعف من معظم النواحي الفنية، الموسيقى لم تكن على أي قدر من التميز، ومحاولات خلق جو شرقي في المشاهد التي تجري في الشرق لك تكن قادرة إلا على إضحاكي. أما التصوير والإضاءة في الأماكن المغلقة فكانت أقرب إلى المسلسلات التلفزيونية التي يملك المخرج خبرة سابقة فيها، ظهرت –بأسوأ أشكالها- في هذا الفيلم.
من المثير للاهتمام أن الفيلم يقضي وقتاً طويلاً في الحديث عن السوفييت والأفغان والحرب الباردة، دون أدنى إشارة إلى ما تمثله القاعدة وطالبان الآن. ليست هناك أدنى إشارة إلى الاتجاه الإسلامي الذي خصته الولايات المتحدة بالعناية، أو النظام الإسلامي الشديد التطرف الذي قام بعد نهاية الحرب أو حقيقة أن هؤلاء الخلفاء سيصبحون بعد عقد واحد ألد أعداء الولايات المتحدة. أو حقيقة أن الولايات المتحدة دخلت أفغانستان غازية، لتقوم بفظائع لم يقدر الجيش السوفييتي عليها. فالفيلم يتحدث دون حياء عن أن السوفييت يقتلون الأطفال ويغتصبون النساء، فيما فضائح الجيش الأمريكي في العراق -بل وأفغانستان نفسها- لا تزال طازجة.
رغم النهاية المحزنة للقوة الوحيدة التي كانت قادرة على مقارعة الولايات المتحدة، إلا أن الإعلام الأمريكي لا يزال مصرّاً على تصوير السوفييت على أنهم "الأشخاص الأشرار"، في محاولة لاسترجاع تاريخ –تعتبره مجيداً- تمحو به عاراً لا يزال جديداً.

Friday, February 29, 2008

هي فوضى؟


ما زالت أفلام المخرج العربي الأشهر يوسف شاهين تثير ضجة عند عرضها، وتتسابق الجماهير إلى القاعات التي تعرضها. فيلمه الأخير -الذي أخرجه بمعاونة مساعده وتلميذه خالد يوسف- "هي فوضى؟" ربما يكون أكثرها اثارة للجدل منذ عدة سنوات، فبعد فيلمه البائس بجميع المقاييس "سكوت حنصوّر"، وبضعة أفلام لم تعرض في دور العرض المحلية، يعود شاهين بفيلم أنتج بدعم فرنسي، حاله حال كثير من الأفلام العربية التي يبتعد عنها المنتجون العرب لسبب أو لآخر.
يناقش الفيلم قضايا محورية وهامة وساخنة في مصر حالياً، ويركّز بشكل أساسي على الفساد المنتشر في مراكز الأمن وبين رجال الشرطة. عبر متابعة ضابط الشرطة "حاتم" -الذي أدى دوره باقتدار الممثل خالد صالح- الأربعيني الأعزب الذي يعيش في منطقة شعبية مقابل الأرملة بهية "هالة فاخر" وابنتها معلمة المدرسة نور "منّة شلبي"، ويرغب في الزواج من نور التي تكون بطلة خيالاته الجنسية، وما ينفك يطاردها في منتهى السماجة.
ولكن نور تحب مأمور الشرطة الشاب شريف "أحمد سليم" ابن مديرة المدرسة المتحررة "هالة صدقي" التي تنتمي إلى جيل السبعينات الثوريّ. ويتعمق الفيلم في علاقة خطوبة -لم يكن لها مبرر درامي حقيقي- بين شريف وفتاة سيئة الخلق، تنتهي بانفصالهما.ليقع شريف في حب نور ويخطبها، وفي غمرة غضبه، يأخذ حاتم نوراً إلى جزيرة معزولة ويغتصبها، لم يكن مشهد الاغتصاب طويلاً أو واضحاً، ولكن المشهد الذي تلاه ومنّة شلبي تغادر الجزيرة ودمها يغطي ملابسها الممزقة كان صادماً ومزعجاً إلى حد كبير. وتبداً بعد ذلك سلسلة طويلة من المشاهد التي توضح مدى الفساد المستشري في قسم الشرطة، فرغم رتيته العالية إلا أن الشاب شريف لا يستطيع إثبات التهمة على حاتم الذي يتواطأ معه مدراء القسم.
وبينما يبحث نور وشريف عن دليل داخل المركز الأمني، تتحرك الجماهير دفاعاً عن شرف نور ويقتحم الآلاف قسم الشرطة في مشهد تقليدي، يمثّل غضبة جماهيرية قامت كرجل واحد لتتخلص من حاتم الذي كان يخيم على صدور أهل المنطقة ببلطجته وفساده.
فيما خلا شخصية بهية التي استخدمها شاهين مراراً في أفلامه رمزاً لمصر، خلا الفيلم من الرمز بشكل شبه تام، فجاء الفيلم مباشراً إلى درجة أنه بات قريباً إلى الأفلام الوثائقية. ربما قصد شاهين أن السيل قد بلغ الزبى، وأن الفساد استشرى بشكل لم تعد تنفع معه المواربة، ولكنه لم يترك للمشاهد ما يكتشفه أو يفكّر فيه، وكان هذا على حساب عمق الفيلم وقيمته الفنية، فجعله سطحياً إلى حد كبير. وجاءت الشخصيات مسطعة وخالية تماماً من التعقيد، ومشاعرها مباشرة وبسيطة جداً، بينما كان بامكانه التركيز أكثر على شخصية الشرطي الشرير والاقتراب منها بعمق أكير، بدلاً من اثبات فساده مشهداً بعد مشهد. فتحدث حاتم عن طفولته المعذبة وافتقاده للحنان طول عمره في لقطة قسيرة لا تزيد عن نصف دقيقة.
أداء الممثلين الرئيسيين كان جيداً جداً بشكل عام، ولكن المذهل بحق هو أداء خالد صالح الذي نجح في تقمص شخصية الشرطي الفاسد المتوحش، وجعل الدور "دوره" فعلاً. وتمكن من جذب الأنظار في أول دور بطولة له، حيث أنه يعد اكتشافاً متأخراً، بعد سنين من الأدوار الثانوية. ولكن كان من الممكن جعل الشخصيات أكثر عمقاً وتعقيداً مع طاقم مقتدر بهذا الشكل.
الفيلم يعد ممتازاً عند مقارنته بالأفلام التي تعرض عادة في دور السينما، ولكن نظرة دقيقة ومقارنة مع الأفلام التي يتم انتاجها في أوروبا وآسيا، بل وبعض الدول العربية الأخرى مثل المغرب وسوريا، تجعل الفيلم عادياً من وجهة نظر فنية. رغم خلوّه من الأخطاء الفادحة التي تحويها الأفلام التجارية، إلا أن الفيلم لم يحقق أي إنجاز في مجالات التصوير والإضاءة والسينماتوغرافيا والصوت.....إلخ.
طرح الفيلم بشكل صريح مشكلة المعتقلين السياسيين الذين يتم احتجازهم دون محاكمة أو حتى تهمة، ويرفض بعض الضباط اطلاق سراحهم رغم أوامر بعض الأشخاص النظيفين في سلك القضاء، وعرض مشاهد مؤلمة للتعذيب الذي يتم في مراكز الشرطة وحالات وفاة المقبوض عليهم تحت التعذيب والتي باتت ظاهرة مرعبة في مصر. مر بشكل سريع على المد السلفي الجديد، ولم يناقش دور الأحزاب في مصر اليوم، رغم أنه عرض دور الحزب الحاكم في مصر منذ 25 عاماً.
كان من الممكن أن يتعمق الفيلم في جذور المشكلة السياسية في مصر بدلاً من عرض مشاهد لها، فجاء الفيلم مشتتاً بين الحياة الشخصية البائسة لحاتم، والفساد المستشري في جهاز الأمن والدولة، إلى أن يقضي الشعب على كليهما معاً (حاتم والفساد).

Le Chaos

Egyptian film-director Yussef Shahin is –without a doubt- the most famous Arab director, at least in the Arab world. His latest movie “Le Chaos” is funded by French production, many Arab films have been receiving such funding, in order to produce films that –supposedly- have some artistic value, but Arab producers wouldn’t be willing to make them, fearing that they won’t achieve proper profits at the box office.
The film discusses the corruption in Egypt that increased drastically over the few past decades, especially among the police. The film doesn’t only display a corrupt police officer, but also the methodical police brutality inside police stations, torturing political prisoners and political corruption in the ruling party that’s been in authority for 25 years.
Other than the character “Baheya” -which Shahin used many times as a symbol of Egypt itself- the film is very direct and obvious, perhaps the director intended to give up on using metaphors and thought that it’s time to talk freely and openly, which affected the plot of the film by making it straight-forwarded and perhaps a little shallow and obvious.
The film is about a corrupted police officer “Hatem” –beautifully done by Khaled Saleh- in his forties. This policeman runs a whole network of bribery and mutual interests. He knows how to win his bosses, either by pretending to be a straight officer or by obeying the orders he receives off the record, to imprison and torture the youth that is caught while protesting the degenerated government.
“Hatem” is in love with a teacher –“Nour”- that lives across the hall with her mother “Baheya”. “Nour” keeps rejecting “Hatem” who tries to connect sexually with her picture, clothes and by peeking on her while showering, not knowing that she loves her headmistress’s son “Sharif”, the district attorney who is engaged to another girl.
“Sharif’s” relation –and then breakup- with his fiancée wasn’t needed in the film, and caused only distraction and discontinuity to the events, this space should’ve been used to focus on issues more important and related to the core of the problems the film tries to discuss.
Finally, when “Hatem” knows that “Nour” is about to get engaged to “Sharif”, he kidnaps her and rapes her in a boathouse. The rape scene wasn’t very long, but disturbing enough. In the end, “Hatem” shows how rotten the system has grown when he was able to get an alibi from higher officers that use him and need him. “Sharif” finally breaks into the police station and finds a witness that was being hidden; at the same time the people living nearby –fed up with “Hatem” bullying them for so long- march into the police station and break the gates in a huge scene.
The film doesn’t discuss the characters deeply, which makes them one-dimensional, with hardly any background, dreams or complex emotions.
The actors give remarkable performances, young Minna Shalbi is as good as ever in her role as “Nour”, and both Hala Sidqi and Hala Fakher give their best performance. But the outstanding performance was that of Mr. Saleh in his first leading role, being given secondary parts up until now, Saleh proves himself to be a first class actor, giving a solid performance.
Other than that, the film was only good when compared to commercial Arab films that are usually poor when discussed artistically. The photography, lighting, cinematography and sound were all average.

Wednesday, January 30, 2008

أكيرا كوروساوا - بيوغرافيا



غيث عمر

"بالنسبة لي، عمل الأفلام يدمج كل شيء معاً، لهذا جعلت من السينما عمل حياتي. في الأفلام يلتقي الرسم والأدب، والمسرح والموسيقى. رغم ذلك يظل الفيلم فيلماً." قال هذه العبارة المخرج العبقري أكيرا كوروساوا الملقب بالامبراطور. الذي يعد من أهم ثلاثة مخرجين في تاريخ السينما، ويشير المخرج هنا إلى علاقة السينما بالرسم والأدب الذين اهتم بهما منذ صغره.



كان أكيرا الأخ الأصغر لسبعة اخوة وأخوات، ولد عام 1910 لعائلة ميسورة الحال في ضواحي طوكيو، وكان والده متأثراً بالعادات الغربية فاصطحب عائلته مراراً إلى الأفلام التي كانت حديثة في ذلك العهد. تأثر أكيرا الفتى كثيراً بمدرسه الذي شجعه على ممارسة هواية الرسم، وتأثر أكثر بأخيه "هيجو" الذي عشق السينما وكان لانتحاره في منتصف عشريناته أثراً كبيراً على أكيرا الشاب.
في سن السادسة والعشرين عمل كوروساوا مساعد مخرج، ويقول كوروساوا أن هذه المهنة هي التي علمته أصول الإخراج، فقد كان مساعد المخرج في اليابان وقتها يضطلع بدور مهم في تصميم الملابس والديكور والإضاءة والتصوير ويعمل مع الممثلين عن قرب، فاكتسب مهارات مكنته في عام 1943 من اخراج فيلمه الأول "حكاية الجودو البطولية" الذي يعتبر نوعاً من البروباغاندا ضد الولايات المتحدة، حيث يحكي قصة عن تفوق رياضة الجودو اليابانية على الملاكمة الأمريكية، وكانت معظم أفلامه في الأربعينات ذات مضمون وطني قد لا يخلو من التسطيح، حيث أن جميع أفلامه كانت مراقبة من السلطات اليابانبة والأمريكية التي منعت فيلمه "الرجل الذي داس على ذيل النمر".
يعتبر فيلم "راشومون" المنتج في 1950 من أهم أفلام المخرج، وهو الفيلم الذي جعل منه أشهر مخرج آسيوي على الإطلاق، فقد نال الفيلم جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية الدولي، وكان أول فيلم ياباني ينال شهرة عالمية، ويعرض خارج اليابان على نطاق واسع، وأخرج كوروساوا على مدى الخمسة عشرة عاماً اللاحقة عدداً من أفلام الساموراي، أو أفلاماً مقتبسة عن قصص ومسرحيات من غرب، وكانت أفلامه هذه تلاقي نجاحاً هائلاً، وكثيراً ما اقتبس الغرب عنها لصنع أفلام مثل "السبعة المدهشون" المأخوذ عن فيلم "الساموراي السبعة"، وفيلم سيرجيو ليوني "من أجل حفنة من الدولارات" المقتبس عن فيلم "يوجمبو".


أخذ النقاد في اليابان على كوروساوا تأثره بالثقافة الغربية، فقد أخرج فيلماً عن رواية دوستويفسكي "الأبله"، وأخرج أفلاماً عن مسرحيات لشكسبير، وغير ذلك. فكانت أفلامه تحقق نجاحاً أكبر في الغرب.
واجه كوروساوا منذ منتصف الستينات مشاكل في التمويل، فقد كانت كل مشاريعه تلغى، ولم يخرج خلال خمسة أعوام إلا فيلماً لاقى فشلاً تجارياً، فحاول الانتحار في عام 1971، وجرح معصمه ثلاثين مرة، لكنه لم يمت لحسن الحظ. وجاءه عرض من الاتحاد السوفييتي باخراج فيلم بميزانية مفتوحة وأن يختار النص الروسي الذي سيستعمله للفيلم، فاختار مذكرات مكتشف في بدايات القرن العشرين يقوم برحلة في سيبيريا، ليخرج عام 1975 فيلم "ديرسو أوزالا" –فيلمه الوحيد الناطق بغير اليابانية- الذي نال جائزة الأوسكار.
بعد ذلك أخرج كوروساوا فيلمين ضخمين هما "كاجيموشا"1980 الذي قام بتمويله اثنان من أشهر المخرجين في الولايات المتحدة "فرانسيس كوبولا" و"جورج لوكاس". و فيلم "ران"1985 بتمويل من منتج فرنسي، وكان هذا الفيلم مشروعاً عمل عليه كوروساوا لمدة عشرة أعوام. وأخرج في بداية التسعينات ثلاثة أفلام كانت على كم كبير من الخصوصية والشفافية. وتوفي كوروساوا عام 1998 مخلفاً وراءه ثلاثين فيلماً من إخراجه.
من المعروف عن كوروساوا أنه كان يطلب الكمال في عمله، فقد قام في فيلم "راشومون" بصبغ المياه –التي ستستعمل لتصوير مشاهد المطر- بالحبر حتى يكون المطر ثقيلاً، وقام باستعمال كل مخزون المنطقة من احتياطي المياه في تصوير فيلمه. وكان يوزع ملابس الشخوص على الممثلين قبل التصوير بأسابيع كي يعتاد الممثلون عليها. وكان غالباً ما يعمل مع نفس الأشخاص في طاقم العمل أو الممثلين، وتعتبر شراكته مع الممثل "توشيرو ميفونِه" من أشهر ثنائيات المخرج-الممثل في السينما العالمية، فقد عملا معاً في 16فيلماً.
استعمل كوروساوا أسلوب مسح الإطار "frame wipes" في الانتاج عند التنقل بين المشاهد، وقد اشتهر هذا الأسلوب عندما تأثر به جورج لوكاس لاحقاً، واستعمله في سلسلة أفلام "حرب النجوم"، كما تأثر بسيرغي أيزنشتاين وتقنياته في المونتاج. كان كوروساوا يحرص على الابتعاد عن ممثليه، وكان غالباً يصورهم في لقطات متوسطة، لاعتقاده أن هذا يعزز من قدراتهم التمثيلية. ويتم تدريس أسلوب كوروساوا في تقطيع اللقطات في كثير من المراجع المتخصصة في الدراسات السينمائية.
وتتميز أفلامه باستعمال الأحوال الجوية للدلالة على الحالة النفسية للفيلم بشكل عام، فيستعمل المطر والثلج والضباب والحرارة الشديدة كأنها جزء من الديكور، ويطوّعها لخلق الأجواء المناسبة للفيلم. يقال أن المخرج جون فورد –وهو المخرج المفضل لدى كوروساوا- قال له عندما التقاه مرة بأنه لاحظ أن كوروساوا يحب المطر، فقال كوروساوا "لا بد أنك تتابع أفلامي جيداً".
رغم أنها ليست واقعية تماماً، إلا أن أفلام كوروساوا تبتعد عن الانطباعية، ويتم استخدام الرمز فيها بحذر وبحدود، خاصة في أفلامه الأولى، إلا أن أفلامه الأخيرة جاءت أكثر انطباعية، ففيلمه "أحلام كوروساوا" 1990 جاء في غاية السريالية، واحتوى كماً هائلاً من الرموز التي كانت حاضرة دائماً في خيال المخرج، فكأن أفلامه الأخيرة هي نوع من المذكرات أو الاعترافات أو البحث عن الخلاص عن طريق تعرية الذات.