البرتقالة الآلية A clockwork orange
غيث عمر
يبدأ فيلم "البرتقالة الآلية" بلقطة كبيرة جداً لعين ألكس، ومن ثم تبتعد الكاميرا ببطء عن عينه الجذابة –نوعاً ما- برمشها الاصطناعي والنظرة الكسولة، لتحيط بالبار الذي يجلس فيه ألكس وأصدقاؤه يحتسون حليباً مخلوطاً بمخدر. "البطل المضاد" ألكس –كما سنكتشف بعد قليل- هو شاب لم يتجاوز العشرين، وهو قائد لعصابة من أربعة أفراد ترتدي ملابساً موحدة غريبة، وتمارس "العنف المتطرف" كما يصفه الراوي، فيضربون في بداية الفيلم متشرداً سكّيراً، ويقاتلون عصابة أخرى من العصابات التي تسيطر على المدينة التي تشبه لندن المستقبل كما تخيلها المؤلف وإن بقيت دون اسم.
الفيلم المنتج في عام 1972 مأخوذ من رواية بنفس الاسم تعود إلى عام 1962، قام المخرج الشهير "ستانلي كوبريك" بكتابة سيناريو الفيلم، ولم يغير في الرواية إلا النهاية المتفائلة والتي لم تكن موجودة أصلاً في النسخة الأمريكية للرواية والتي استعملها في فيلمه المثير للجدل.
يحاول المخرج منذ البداية ربطنا بشكل وثيق مع البطل/الراوي، الذي سيرتكب خلال الفيلم –بعد قليل- أبشع الجرائم. يفعل ذلك من خلال اللقطة السابفة والمحبوكة بشكل جيد، حيث استخدم المخرج اللقطة الكبيرة جداً لعين البطل ليجعل المشاهد على تواصل معه منذ بداية الفيلم، مع المحافظة على صوته أيضاً طوال الفيلم. فنجح في أن يستدرج المشاهد إلى تعاطف –لا أخلاقي ربما- لم يكن ليتحقق في ظروف طبيعية.
في الثلث الأول من الفيلم يذهب ألكس وعصابته إلى بيت اختاروه عشوائياً ويدخلون مرتدين أقنعة سخيفة تخفي وجوههم، ليقوموا بربط رب المنزل الكاتب العجوز ويغتصبون زوجته أمامه بينما ألكس قائد المجموعة يغني أغنية (غناء في المطر)(singin’ in the rain) المرحة من الفيلم الغنائي الكلاسيكي الشهير. ويقع ألكس بعد أيام في قبضة الشرطة، نتيجة خيانة أصدقائه له، ليجد أنه أدين في قضية قتله لامرأة أخرى كانت تعيش وحيدة.
يمثلُ السجنُ الثلثَ الثاني من الفيلم، حيث أنه بعد قضائه فترة في "بيت الإصلاح"، اكتسب ألكس الشاب رذائل أخرى . ولكن شبابه واندفاعه أهلاه ليكون فأر تجارب لعالم ابتكر أسلوباً من "غسيل الدماغ"، حيث يعالج مجرماً لعدة أيام يطلق سراحه بعدها، واثقاً أن علاجه –المبني على تعريض المجرم لكم هائل من الأفلام التي تحوي جنساً وعنفاً بالإضافة إلى عقار ما- سيجعل المجرم غير قادر على ارتكاب أي نوع من العنف. الهدف من هذا النوع من العلاج هو التخلص من السجناء الجنائيين لإفساح مكان للسجناء السياسيين.
الجزء الأخير من الفيلم يتحدث عن ألكس الجديد، الذي خضع للعلاج وخرج رجلاً جديداً للمجتمع، حيث أن ألكس الجديد يصاب بغثيان عند مجرد محاولته القيام أو رؤيته لأي نوع من العنف. في هذا الجزء تعود كل الشخصيات التي مرت منذ بداية الفيلم لتؤدي دوراً بناءً على ما تعرضت له في الجزء الأول على يدي ألكس، فكأنها صورة مباشرة للجريمة والعقاب، ولكن استطاع المؤلف أن يروي القصة بحيث يتضامن المتفرج مع البطل الذي ربما يستحق العقاب أصلاً. فوالدا ألكس الذين ظهرا بالكاد خلال الفيلم، يرفضان أن يعود إلى المنزل، ورفاقه الذين تسببوا بسجنه قد أصبحوا يعملون في سلك الشرطة ويقومون بضربه ضرباً مبرحاً. وينتهي هذا الجزء من الفيلم عندما يقوم الكاتب العجوز –المقعد حالياً- بحبس ألكس وتعذيبه عقاباً على اغتصاب زوجته والتسبب في قتلها. ويذكر هذا الأسلوب في الفيلم بقصص ديكنز الكلاسيكية حيث أن الشخصيات التي ظهرت في بداية الفيلم يعاد استخدامها مجدداً.
وكخاتمة للفيلم، يزور الوزير الذي أقر التجارب ألكس في المشفى الذي يتعالج فيه بعد هربه من الكاتب، ويخبره أن الكاتب والعالم قد تم التخلص منهما، وأن الحزب الحاكم يحتاج إلى مساندة ألكس بعد الفضيحة التي هزت المجتمع وقد تؤثر على الحزب في الانتخابات المقبلة. ليعرض على ألكس وظيفة مريحة في الحكومة، وينتهي الفيلم بحلم داعر لألكس يؤكد أن الفتى قد عاد إلى طبيعته الشرسة.
تغير الألوان المستعملة خلال الفيلم يدل على الحالة العامة للمشاهد، فتستخدم في بداية الفيلم ألوان حارة (برتقالي،أحمر،أصفر) بينما تسيطر الألوان الباردة (أزرق، أخضر) على النصف الأقل عنفاً من الفيلم.
ويستعمل المخرج الموسيقى ببراعة، حيث يمزج كلاسيكيات الموسيقى العالمية مع موسيقى صاخبة الهدف منها ابقاء المشاهد متحفزاً ومتوترا، كي لا يسترخي في ذلك الجو المملوء بالعنف. بالإضافة إلى الحركة التي قد تبدو غريبة أو فجة للكاميرا، التي ربما تعبر عن غرابة العالم الذي تجري فيه الأحداث، فكأن المخرج يحاول انشاء رابطة مع البطل مع ابقاء مسافة بين المتفرج والعنف الدائر أمامه.
الفيلم ربما يكون عبارة عن رمز للثورة، فألكس الشاب الذي يقوم مع أصدقائه بارتكاب العنف هم في الحقيقة يعملون ضد الحكومة الاستبدادية، رغم أن عنفهم ليس موجهاً ضد الدولة، لكنه على الأغلب نتيجة لعنف الدولة. بينما تحاول الدولة السيطرة على الشباب عن طريق نوع من غسيل الدماغ، للحفاظ على عادات المجتمع المحافظ ضد الجنس-العنف، لتنجح في النهاية في ضم الشباب إلى صفوفها.
الفيلم المتكامل من جميع النواحي الفنية، سانده الأداء المتميز للممثلين وخاصة ألكس الذي تقمص الدور فعلاً وكان طبيعياً جداً فيه، فالمخرج معروف بأنه متطلب جداً ويستطيع أن يحصل من طاقمه على أفضل ما لديهم. ترشح الفيلم لأربع جوائز "أوسكار" من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل نص، لكنه خسرها جميعاً أمام فيلم "الرابطة الفرنسية" The French Connection.
غيث عمر
يبدأ فيلم "البرتقالة الآلية" بلقطة كبيرة جداً لعين ألكس، ومن ثم تبتعد الكاميرا ببطء عن عينه الجذابة –نوعاً ما- برمشها الاصطناعي والنظرة الكسولة، لتحيط بالبار الذي يجلس فيه ألكس وأصدقاؤه يحتسون حليباً مخلوطاً بمخدر. "البطل المضاد" ألكس –كما سنكتشف بعد قليل- هو شاب لم يتجاوز العشرين، وهو قائد لعصابة من أربعة أفراد ترتدي ملابساً موحدة غريبة، وتمارس "العنف المتطرف" كما يصفه الراوي، فيضربون في بداية الفيلم متشرداً سكّيراً، ويقاتلون عصابة أخرى من العصابات التي تسيطر على المدينة التي تشبه لندن المستقبل كما تخيلها المؤلف وإن بقيت دون اسم.
الفيلم المنتج في عام 1972 مأخوذ من رواية بنفس الاسم تعود إلى عام 1962، قام المخرج الشهير "ستانلي كوبريك" بكتابة سيناريو الفيلم، ولم يغير في الرواية إلا النهاية المتفائلة والتي لم تكن موجودة أصلاً في النسخة الأمريكية للرواية والتي استعملها في فيلمه المثير للجدل.
يحاول المخرج منذ البداية ربطنا بشكل وثيق مع البطل/الراوي، الذي سيرتكب خلال الفيلم –بعد قليل- أبشع الجرائم. يفعل ذلك من خلال اللقطة السابفة والمحبوكة بشكل جيد، حيث استخدم المخرج اللقطة الكبيرة جداً لعين البطل ليجعل المشاهد على تواصل معه منذ بداية الفيلم، مع المحافظة على صوته أيضاً طوال الفيلم. فنجح في أن يستدرج المشاهد إلى تعاطف –لا أخلاقي ربما- لم يكن ليتحقق في ظروف طبيعية.
في الثلث الأول من الفيلم يذهب ألكس وعصابته إلى بيت اختاروه عشوائياً ويدخلون مرتدين أقنعة سخيفة تخفي وجوههم، ليقوموا بربط رب المنزل الكاتب العجوز ويغتصبون زوجته أمامه بينما ألكس قائد المجموعة يغني أغنية (غناء في المطر)(singin’ in the rain) المرحة من الفيلم الغنائي الكلاسيكي الشهير. ويقع ألكس بعد أيام في قبضة الشرطة، نتيجة خيانة أصدقائه له، ليجد أنه أدين في قضية قتله لامرأة أخرى كانت تعيش وحيدة.
يمثلُ السجنُ الثلثَ الثاني من الفيلم، حيث أنه بعد قضائه فترة في "بيت الإصلاح"، اكتسب ألكس الشاب رذائل أخرى . ولكن شبابه واندفاعه أهلاه ليكون فأر تجارب لعالم ابتكر أسلوباً من "غسيل الدماغ"، حيث يعالج مجرماً لعدة أيام يطلق سراحه بعدها، واثقاً أن علاجه –المبني على تعريض المجرم لكم هائل من الأفلام التي تحوي جنساً وعنفاً بالإضافة إلى عقار ما- سيجعل المجرم غير قادر على ارتكاب أي نوع من العنف. الهدف من هذا النوع من العلاج هو التخلص من السجناء الجنائيين لإفساح مكان للسجناء السياسيين.
الجزء الأخير من الفيلم يتحدث عن ألكس الجديد، الذي خضع للعلاج وخرج رجلاً جديداً للمجتمع، حيث أن ألكس الجديد يصاب بغثيان عند مجرد محاولته القيام أو رؤيته لأي نوع من العنف. في هذا الجزء تعود كل الشخصيات التي مرت منذ بداية الفيلم لتؤدي دوراً بناءً على ما تعرضت له في الجزء الأول على يدي ألكس، فكأنها صورة مباشرة للجريمة والعقاب، ولكن استطاع المؤلف أن يروي القصة بحيث يتضامن المتفرج مع البطل الذي ربما يستحق العقاب أصلاً. فوالدا ألكس الذين ظهرا بالكاد خلال الفيلم، يرفضان أن يعود إلى المنزل، ورفاقه الذين تسببوا بسجنه قد أصبحوا يعملون في سلك الشرطة ويقومون بضربه ضرباً مبرحاً. وينتهي هذا الجزء من الفيلم عندما يقوم الكاتب العجوز –المقعد حالياً- بحبس ألكس وتعذيبه عقاباً على اغتصاب زوجته والتسبب في قتلها. ويذكر هذا الأسلوب في الفيلم بقصص ديكنز الكلاسيكية حيث أن الشخصيات التي ظهرت في بداية الفيلم يعاد استخدامها مجدداً.
وكخاتمة للفيلم، يزور الوزير الذي أقر التجارب ألكس في المشفى الذي يتعالج فيه بعد هربه من الكاتب، ويخبره أن الكاتب والعالم قد تم التخلص منهما، وأن الحزب الحاكم يحتاج إلى مساندة ألكس بعد الفضيحة التي هزت المجتمع وقد تؤثر على الحزب في الانتخابات المقبلة. ليعرض على ألكس وظيفة مريحة في الحكومة، وينتهي الفيلم بحلم داعر لألكس يؤكد أن الفتى قد عاد إلى طبيعته الشرسة.
تغير الألوان المستعملة خلال الفيلم يدل على الحالة العامة للمشاهد، فتستخدم في بداية الفيلم ألوان حارة (برتقالي،أحمر،أصفر) بينما تسيطر الألوان الباردة (أزرق، أخضر) على النصف الأقل عنفاً من الفيلم.
ويستعمل المخرج الموسيقى ببراعة، حيث يمزج كلاسيكيات الموسيقى العالمية مع موسيقى صاخبة الهدف منها ابقاء المشاهد متحفزاً ومتوترا، كي لا يسترخي في ذلك الجو المملوء بالعنف. بالإضافة إلى الحركة التي قد تبدو غريبة أو فجة للكاميرا، التي ربما تعبر عن غرابة العالم الذي تجري فيه الأحداث، فكأن المخرج يحاول انشاء رابطة مع البطل مع ابقاء مسافة بين المتفرج والعنف الدائر أمامه.
الفيلم ربما يكون عبارة عن رمز للثورة، فألكس الشاب الذي يقوم مع أصدقائه بارتكاب العنف هم في الحقيقة يعملون ضد الحكومة الاستبدادية، رغم أن عنفهم ليس موجهاً ضد الدولة، لكنه على الأغلب نتيجة لعنف الدولة. بينما تحاول الدولة السيطرة على الشباب عن طريق نوع من غسيل الدماغ، للحفاظ على عادات المجتمع المحافظ ضد الجنس-العنف، لتنجح في النهاية في ضم الشباب إلى صفوفها.
الفيلم المتكامل من جميع النواحي الفنية، سانده الأداء المتميز للممثلين وخاصة ألكس الذي تقمص الدور فعلاً وكان طبيعياً جداً فيه، فالمخرج معروف بأنه متطلب جداً ويستطيع أن يحصل من طاقمه على أفضل ما لديهم. ترشح الفيلم لأربع جوائز "أوسكار" من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل نص، لكنه خسرها جميعاً أمام فيلم "الرابطة الفرنسية" The French Connection.
No comments:
Post a Comment