"خيانة مشروعة"
فلم بوليسي يتبع التقاليد الأمريكية
غيث عمر
فيلم خيانة مشروعة هو أحدث أفلام المخرج الشاب خالد يوسف، الذي قام أيضاً بكتابة النص والسيناريو والحوار، من بطولة هاني سلامة ومي عزالدين وسمية الخشاب وهشام سليم. ويمكن تصنيف الفيلم على أنه من أفلام الحركة التي درجت السينما المصرية على انتاجها في السنوات الأخيرة، ولكن حبكته البوليسية المليئة بالمفاجآت تتشابه إلى حد كبير مع أفلام أمريكية تجارية يتم انتاجها بتزايد مضطرد منذ ما يقارب العشرة أعوام، وتلقى رواجاً شعبياً هائلاً خصوصاً بين الشباب رغم تدني مستواها الفني، قد يكون أحدثها سلسلة أفلام "منشارSaw".
الفيلم يعتمد بشكل كبير على أسلوب تيار الوعي أو الاسترجاع "فلاش باك"، حيث يتم الانتقال إلى الأحداث التي حدثت في الماضي فجأة ويتم دمجها مع أحداث الحاضر باستخدام تقنيات الكمبيوتر، ويعتمد أيضاً على كشف القصة شيئاً فشيئاً ليبقى المشاهد متحفزاً للحقائق التي تعطى له بالتدريج، ليصبح أسلوب كشف الحدث أهم من الحدث نفسه ويطغى أسلوب السرد على المضمون، مما يوفر متعة سهلة للمشاهد لا تحثه على التفكير ولا تحمل فكرة أعمق مما يعرض ببساطة على الشاشة.
من المفترض أن الفيلم يتحدث عن الطبقة الوسطى في مصر، والتي بدأت تنهار بشكل مخيف منذ تطبيق سياسات الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي، ولكن بدلا من ذلك فإن أحداث الفيلم تدور بين القصور والشقق الفخمة والبارات لعرض حياة الطبقة الغنية في معظم مشاهده، ولا يتعرض لحياة الطبقة المتوسطة إلا في مشهدين، يخلط في أحدهما بين بقايا الطبقة المتوسطة المثقفة –التي لا تزال على شيء من البرجوازية- والطبقة الفقيرة التي تؤمن بمعتقداتها ببلاهة.
ويبدأ الفيلم بالقول إن هذه قصة ثلاث نساء عرفهنّ البطل/الراوي "هشام البحيري" الذي قام بدوره هاني سلامة، وأن ثلاثتهنّ ينتمين إلى الطبقة الفقيرة، ولكن جاءت شخصيات النساء فيه نمطية نوعاً ما، بالإضافة إلى أنهن لم يعطين الانطباع خلال الفيلم بأنهن من الطبقة الفقيرة. والنساء الثلاث هن زوجة هشام نهلة وعشيقته شهد "سمية الخشاب" و ريم زوجة أخيه "مي عزالدين". القصة هي ببساطة عن شاب غني طائش "هشام" تقوم عشيقته باقناعه بأنه يجب أن يقتل زوجته التي تخونه مع شاب آخر وأخاه الذي استولى على ميراثه، وذلك بأن يرتكب جريمة شرف يكون الاثنان ضحيتها، ليكتشف بعد ذلك أن زوجته لم تخنه وأن أخاه لم يستولِ على ماله.
ولكن الحوادث تسير بشكل غير مبرر أحياناً، فالمحقق –مثلاً- الذي يسعى لكشف الحقيقة ومستعد للتضحية بوظيفته لأجل ذلك، ويتحدث عن تخليص المجتمع من الفاسدين، لا يتوانى عن تعذيب شاب في سبيل الحصول على اعترافاته. والشخصيات سطحية في معظمها، ومن الممكن أن تجدها في معظم الأفلام التي صرنا نراها مؤخراً تحت اسم "سينما الشباب". ويحتوي الفيلم على أكثر من ثيمة مبتذلة مثل الشاب الطائش الذي يتغير بعد أن يحب الفتاة الطيبة، والعاشقة الغيورة المستعدة لفعل أي شيء في سبيل استرداد حبيبها..إلخ. واحتوى الفيلم على مشهد مطاردة بالسيارات لم يكن له داع إلا اجتذاب جمهور معين إلى الفيلم، وبضع مشاهد حركة يتغلب فيها البطل على خصومه على طريقة الأفلام المصرية القديمة.
اختار المخرج أن يصور لقطات قصيرة متتابعة، يتم مونتاجها على طريقة أفلام الأكشن الأمريكية، لتكون المشاهد قصيرة إلى درجة أنها ضاقت بالحوار، مما دفع بالمخرج إلى دبلجة الصوت في كثير من المشاهد، ليكون الصوت في الخلفية “Voice over” مشتركاً بين مشهدين ليربط بينهما. وجاءت حركة الكاميرا في كثير من الأحيان على نحو لا يتناسب مع الأحداث، فكانت إما أسرع من اللازم أو أبطأ دون حاجة حقيقية لذلك. رغم أن طاقم التمثيل يضم بعضاً من أفضل ممثلي الصف الأول في مصر اليوم، إلا أن أداءهم جاء سطحياً وغير مقنع على الإطلاق، ووصل إلى حد الإلقاء المسرحي في بعض المشاهد، خاصة تلك التي كانت ترتفع فيها أصواتهم بالصراخ دون وجود بناء نصّي قوي يبرر تصاعد المشهد.
الخلاصة أن الفيلم جاء مشتتاً بين عدد من المحاور، فجاء بناؤه بوليسياً ولكن إقحام حبكات عاطفية وسياسية لم يترك مجالاً لمعالجة أي قضية بالعمق الكافي، فالفيلم يحوي مشاهد بالغة القصر عن التعذيب في السجون، أو تدخل الحكومة لتحول دون انتخابات نزيهة، أو تنقل الانتهازيين من اليسار ثم الوسط فاليمين أخيراً للوصول إلى مجلس الشعب، ولكنه لا يتعمق في أي من هذه المشاكل على الإطلاق. ويعرض بدلاً من ذلك مشاهد طويلة لمطاردة السيارات أو القتال.
فلم بوليسي يتبع التقاليد الأمريكية
غيث عمر
فيلم خيانة مشروعة هو أحدث أفلام المخرج الشاب خالد يوسف، الذي قام أيضاً بكتابة النص والسيناريو والحوار، من بطولة هاني سلامة ومي عزالدين وسمية الخشاب وهشام سليم. ويمكن تصنيف الفيلم على أنه من أفلام الحركة التي درجت السينما المصرية على انتاجها في السنوات الأخيرة، ولكن حبكته البوليسية المليئة بالمفاجآت تتشابه إلى حد كبير مع أفلام أمريكية تجارية يتم انتاجها بتزايد مضطرد منذ ما يقارب العشرة أعوام، وتلقى رواجاً شعبياً هائلاً خصوصاً بين الشباب رغم تدني مستواها الفني، قد يكون أحدثها سلسلة أفلام "منشارSaw".
الفيلم يعتمد بشكل كبير على أسلوب تيار الوعي أو الاسترجاع "فلاش باك"، حيث يتم الانتقال إلى الأحداث التي حدثت في الماضي فجأة ويتم دمجها مع أحداث الحاضر باستخدام تقنيات الكمبيوتر، ويعتمد أيضاً على كشف القصة شيئاً فشيئاً ليبقى المشاهد متحفزاً للحقائق التي تعطى له بالتدريج، ليصبح أسلوب كشف الحدث أهم من الحدث نفسه ويطغى أسلوب السرد على المضمون، مما يوفر متعة سهلة للمشاهد لا تحثه على التفكير ولا تحمل فكرة أعمق مما يعرض ببساطة على الشاشة.
من المفترض أن الفيلم يتحدث عن الطبقة الوسطى في مصر، والتي بدأت تنهار بشكل مخيف منذ تطبيق سياسات الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي، ولكن بدلا من ذلك فإن أحداث الفيلم تدور بين القصور والشقق الفخمة والبارات لعرض حياة الطبقة الغنية في معظم مشاهده، ولا يتعرض لحياة الطبقة المتوسطة إلا في مشهدين، يخلط في أحدهما بين بقايا الطبقة المتوسطة المثقفة –التي لا تزال على شيء من البرجوازية- والطبقة الفقيرة التي تؤمن بمعتقداتها ببلاهة.
ويبدأ الفيلم بالقول إن هذه قصة ثلاث نساء عرفهنّ البطل/الراوي "هشام البحيري" الذي قام بدوره هاني سلامة، وأن ثلاثتهنّ ينتمين إلى الطبقة الفقيرة، ولكن جاءت شخصيات النساء فيه نمطية نوعاً ما، بالإضافة إلى أنهن لم يعطين الانطباع خلال الفيلم بأنهن من الطبقة الفقيرة. والنساء الثلاث هن زوجة هشام نهلة وعشيقته شهد "سمية الخشاب" و ريم زوجة أخيه "مي عزالدين". القصة هي ببساطة عن شاب غني طائش "هشام" تقوم عشيقته باقناعه بأنه يجب أن يقتل زوجته التي تخونه مع شاب آخر وأخاه الذي استولى على ميراثه، وذلك بأن يرتكب جريمة شرف يكون الاثنان ضحيتها، ليكتشف بعد ذلك أن زوجته لم تخنه وأن أخاه لم يستولِ على ماله.
ولكن الحوادث تسير بشكل غير مبرر أحياناً، فالمحقق –مثلاً- الذي يسعى لكشف الحقيقة ومستعد للتضحية بوظيفته لأجل ذلك، ويتحدث عن تخليص المجتمع من الفاسدين، لا يتوانى عن تعذيب شاب في سبيل الحصول على اعترافاته. والشخصيات سطحية في معظمها، ومن الممكن أن تجدها في معظم الأفلام التي صرنا نراها مؤخراً تحت اسم "سينما الشباب". ويحتوي الفيلم على أكثر من ثيمة مبتذلة مثل الشاب الطائش الذي يتغير بعد أن يحب الفتاة الطيبة، والعاشقة الغيورة المستعدة لفعل أي شيء في سبيل استرداد حبيبها..إلخ. واحتوى الفيلم على مشهد مطاردة بالسيارات لم يكن له داع إلا اجتذاب جمهور معين إلى الفيلم، وبضع مشاهد حركة يتغلب فيها البطل على خصومه على طريقة الأفلام المصرية القديمة.
اختار المخرج أن يصور لقطات قصيرة متتابعة، يتم مونتاجها على طريقة أفلام الأكشن الأمريكية، لتكون المشاهد قصيرة إلى درجة أنها ضاقت بالحوار، مما دفع بالمخرج إلى دبلجة الصوت في كثير من المشاهد، ليكون الصوت في الخلفية “Voice over” مشتركاً بين مشهدين ليربط بينهما. وجاءت حركة الكاميرا في كثير من الأحيان على نحو لا يتناسب مع الأحداث، فكانت إما أسرع من اللازم أو أبطأ دون حاجة حقيقية لذلك. رغم أن طاقم التمثيل يضم بعضاً من أفضل ممثلي الصف الأول في مصر اليوم، إلا أن أداءهم جاء سطحياً وغير مقنع على الإطلاق، ووصل إلى حد الإلقاء المسرحي في بعض المشاهد، خاصة تلك التي كانت ترتفع فيها أصواتهم بالصراخ دون وجود بناء نصّي قوي يبرر تصاعد المشهد.
الخلاصة أن الفيلم جاء مشتتاً بين عدد من المحاور، فجاء بناؤه بوليسياً ولكن إقحام حبكات عاطفية وسياسية لم يترك مجالاً لمعالجة أي قضية بالعمق الكافي، فالفيلم يحوي مشاهد بالغة القصر عن التعذيب في السجون، أو تدخل الحكومة لتحول دون انتخابات نزيهة، أو تنقل الانتهازيين من اليسار ثم الوسط فاليمين أخيراً للوصول إلى مجلس الشعب، ولكنه لا يتعمق في أي من هذه المشاكل على الإطلاق. ويعرض بدلاً من ذلك مشاهد طويلة لمطاردة السيارات أو القتال.
No comments:
Post a Comment