ليست بلداً لكبار السن
No country for old men
غيث عمر
فيلم (نو كانتري فور أولد مِن) هو أحدث فيلم من إخراج الأخوين "كُوِن"، اللذين كتبا وأخرجا أفلاماً معا منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي. الفيلم المنتج في عام 2007 يحمل بلا شك النكهة المميزة للأخوين والتي شاهدناها في أفلام مختلفة منذ "بلود سيمبل" إلى فيلمهم الأشهر "فارغو". رغم أن هذا الفيلم أقرب إلى أفلام المطاردة وتكثر فيه مشاهد الحركة والإثارة.
السيناريو المأخوذ عن رواية لكورماك مكارثي، تدور أحداثه في المناطق الحدودية التي تربط الولايات المتحدة بالمكسيك، وتحديداً في صحارى وبلدات تكساس، حيث المكان نفسه هو جزء من القصة، فوحشية مسرح الأحداث تمثل جزءاً هاما من القصة، فبداية الفيلم هي عبارة عن تصوير للصحارى في تكساس بينما أحد أبطال الفيلم (الشرطي) يتحدث عن تغير مفهوم الأمن لدى الناس مع مرور الزمن.
قدم (تومي لي جونز) أداءاً جيداً في دور الشرطي المتشائم الذي يحمل في عينيه حزناً عميقاً طوال مدة الفيلم، حيث أن إد بيل هو الجيل الثالث في عائلة توارثت منصب الشريف في تلك المنطقة، يروي إد بيل في بداية الفيلم أن جده لم يكن يضطر لحمل سلاح عندما كان شرطياً في الأزمنة الغابرة، بينما اضطر هو لإرسال فتىً إلى الإعدام لأنه قام بقتل فتاة فقط للمتعة، وبعد أن الفتى عبر بوضوح عن رغبته في القتل مجدداً إذا ما تم الإفراج عنه، في هذا المجتمع الجديد يحاول إد أن يحافظ على الأمن في منطقة تعج بالقتلة والمجرمين وتجار المخدرات.
بطل الفيلم ليولين موس (جوش برولين) كان يصطاد غزلاناً في أحد الأيام فإذا به يعثر على مجموعة من السيارات قد تجمعت في منطقة نائية من الصحراء، اقترب ليكتشف أن كل الموجودين –ومعظمهم مكسيكيون- قد قتلوا، فأخذ مليوني دولار وجدها في مكان المجزرة التي كانت مكاناً لإتمام صفقة مخدرات. من الطريف أن صورة البطل في السينما الأمريكية قد لا ترتبط بالأخلاق، فهو يسرق مالاً حراماً، ولكنه يعتبر بطلاً رغم ذلك.
الأداء المذهل بحق هو لشخصية أنتون شيغور الذي قام به (خافيير باردم) في أداء شخصية قاتل سيكوباثي يقتل باستعمال مسمدس هواء يستعمل لذيح الحيوانات، ويعطي بعض ضحاياه الفرصة في النجاة عبر لعبة (طرة-نقش)، ويقوم هذا القاتل بمطاردة البطل بكل اصرار وعناد ليأخذ النقود، مرتكباً جرائمه بهدوء وذكاء ومنتهى الوحشية. حتى أن بقية شخوص الفيلم لا يحاولون الوقوف في طريقه، بل الهرب منه قدر الإمكان، كأنه شبح يصطادهم، ويعلمون أن أي محاولة للمقاومة ستكون عقيمة. شخصية شيغور هي شخصية مسطحة نوعاً ما، وجاء ذلك في سبيل جعلها شخصية متطرفة جداً، فلم يحاول الفيلم طرحه كشخصية واقعية. وهذا نتيجة لإخلاص المخرجين للكتاب الذي أُخذ منه النص، فشخصيات أفلامهم الأخرى مثل تحفتهم (فارغو) هي شخصيات مأخوذة من الواقع، وهي عندما ترتكب الجريمة فهي لدوافعها الخاصة، وترتكب الجريمة بغباء وسذاجة في العادة. بينما يطرح هذا الفيلم شخصيات رمزية أقرب إلى أفلام (رعاة البقر) الأقوياء القادرين دوماً على الاعتناء بأنفسهم أو شخصيات كرتونية مبالغ بها.
الأحداث بمجملها هي تصادم الشرير شيغور مع البطل ليولين، بينما الشرطي العجوز هو دائماً في إثرهم، غير قادر على اللحاق بالشابين الذين يقومان بصنع الحدث، مكتفياً بالتفرج في كثير من الأحيان. قد يكون هذا رمزاً لما يحدث في معظم المجتمعات، التي تستغني عن كبار السن، بينما يقوم الشباب بصياغة حاضرهم ومستقبلهم، ليكتفي المسنون بانتظار نهايتهم، تماماً كما في مجتمعات المستقبل التي تخيلها الدوس هكسلي في رواياته.
المفاجئ في الفيلم هو الاستغناء التام عن الموسيقى، فلا صوت أو أغنية في الخلقية ما خلا الصحراء في الليل، أو الأحذية التي تقرع أعقابها الأرضيات الخشبية.
الفيلم لم يقدم كل الأحداث للمتفرج، فلم نرَ البطل وهو يقاتل ثم وهو يموت، بل نراه فجأة جثة مسجاة أمامنا بينما قتلته يلوذون بالفرار، ولا يتابع الفيلم بعد ذلك قصة النقود، متخذاً بذلك مجرىً غير تقليدي، حتى لا يكون مجرد فيلم "آكشن" آخر. وينتهي الفيلم نهاية غير سعيدة، عبر موت البطل، وهرب الشرير، وتقاعد الشرطي بعد أن يحس بالعجز والضعف وأن زمنه قد انتهى. ويجلس في نهاية الفيلم مع زوجته ليتحدث عن النشاطات التافهة التي يستطيع ممارستها بعد تقاعده.
الفيلم "أمريكي جداً" إذا صح القول، فهو قريب من أفلام الجرائم وملئ بالعنف والدم، ولكنه يقدم طرحاً أعمق من الأفلام الهوليوودية المعتادة، ومع ذلك لا يرقى إلى مستوى الأفلام الأوروبية التي تكون في العادة أكثر عمقاً وشفافية في التعامل مع المسائل الإنسانية.
Tuesday, December 25, 2007
Caramel (Sukkar Banat)
سكر بنات
غيث عمر
لا شك أن فيلم سكر بنات (كراميل) هو فيلم نسوي الطابع، لكنه ظل مع ذلك قريباً من المشاهد من كلا الجنسين. فرغم أن الفيلم يتعرض لحياة مجموعة من النساء يعشن في بيروت، ورغم أنه يحرص على تغييب صورة الذكر قدر الإمكان، إلا أن الفيلم جاء واقعياً بدرجة مدهشة، من خلال تفاصيل الحياة اليومية التي يعرضها بدقة، كما عودتنا السينما اللبنانية التي طالما كانت صريحة إلى أبعد الحدود.
الفيلم الذي يستمد اسمه من مادة السكر التي تستعملها النساء لانتزاع الشعر عن أجسادهن، من اخراج اللبنانية نادين لبكي التي اشتهرت بإخراج عدة فيديوكليبات بالإضافة إلى التمثيل في أفلام أخرى، فجاء هذا الفيلم العميق والخفيف الظل مفاجئاً بعض الشيء. والفيلم من بطولة المخرجة التي شاركت أيضاً في كتابة السيناريو ومن بطولة مجموعة من الشباب والشابات الذين تمت ادارتهم بشكل جيد للحصول على أداء جيد من معظم الشخوص.
يتعرض الفيلم لحياة أربع شابات يعملن في صالون للتجميل في بيروت، وينحدرن من عائلات متوسطة الحال ومحافظة سواء أكانت مسلمة أم مسيحية. وتتعدد قصصهن فالبطلة ليال تحب شخصاً لم يظهر طوال الفيلم إلا من ظهره أو من بعيد، وكل ما نعرفه عنه أنه متزوج ولديه ابنة، وقد سهّل عدم ظهوره في الفيلم من عملية طرحه كشخص لا يخون زوجنه وحسب، بل يعامل عشيقته أيضاً بمنتهى الدناءة والحقارة، ونلاحظ طوال الفيلم أن الذكر هو الغائب الحاضر، فهو لا يؤثر في الأحداث بشكل مباشر، لكنه السبب فيها بطريقة أو بأخرى، فالنساء اللواتي يعملن في مكان محرّم على الرجال، لم يستطعن التخلص من سلطته ونفوذه. وهناك أيضاً نسرين الشابة المسلمة التي على وشك الزواج، ولكنها تخضع لعملية لاعادة ما فقدته في علاقة سابقة لا يدري خطيبها شيئاً عنها.
قصة جمال هي قصة تقليدية، فهي مطلقة تعيش مع ولديها بعيداً عن طليقها الذي يهمل أولاده ليظل مع عشيقته، بينما تحاول جمال -كامرأة في منتصف العمر- التشبث ببقايا شبابها وجمالها، فتخدع من حولها بإظهار أن دورتها الشهرية ما زالت منتظمة، بينما هي –في الحقيقة- قد جاوزت سن اليأس. وفي هذا الفيلم الملئ بالرموز، قد تكون قصة ريما –الشابة الرابعة في الصالون- هي الأكثر رمزية وامتلاءاً بالإشارات التي لا يجرؤ المجتمع على طرحها، فريما ترتدي ملابساً شبيهة بملابس الرجال دائماً، ومن ثم تنشأ علاقة غريبة بينها وبين زبونة جميلة باتت تتردد على الصالون لتغسل ريما شعرها، فكأنهما سحاقيتان تمارسان الحب عن طريق هذه الطقوس، وتقترح ريما على الزبونة أن تقص شعرها لتصبح مثلها، فترد الزبونة بأن أهلها سيثورون ان هي قامت بذلك، لتقوم في نهاية الفيلم بقص شعرها متحررة من سلطة العائلة وكاسرة التابو.
ونعرف منذ بداية الفيلم أن الشرطي يوسف يحب ليال، ولكنها تكرهه لسماجته، فتكون أكثر مشاهد الفيلم رمزية عندما تقوم الفتيات بسحب الذكر إلى عالمهن (صالون التجميل) الذي يعتبر من المحرمات على الذكور، فيدخل وراء الباب المغلق ويكون في غاية الارتباك، وتقمن بعد ذلك بازالة شاربه وبعض شعر وجهه بالسكر، في طقوس شبيهة بالتطهير الكنسي حيث تقاطعت هذه المشاهد مع مشهد العيد الذي يعرض رجال الكنيسة والأطفال يمشون في الشوارع ويغنون التراتيل الكنسية. ليكتسب بعد مروره بهذه الطقوس الأنثوية تعاطف وحب المشاهد، فكأن العلاقة السوية بين الرجل والمرأة قائمة على تخلي الذكر عن غروره والتسليم بالمساواة التي هي أساس أي علاقة سوية.
تميز الفيلم منذ بدايته بسينماتوغرافيا في غاية الاتقان، وكانت لقطاته مصورة ببراعة، وكانت اللقطات القريبة على الوجوه قليلة ومستخدمة بحكمة، فلم تقطع تدفق المشاهد. وكانت معظم اللقطات البعيدة ثابتة وتحتوي على قدر من العمق والرمزية. وقد يرجع الفضل هنا إلى الفريق الذي ساعد المخرجة التي كانت أمام الكاميرا معظم وقت الفيلم.
يحتوي الفيلم على أغنيتين من غناء رشا سلامة جاءتا متناسبتين مع نسق الفيلم وأحداثه، فكانتا مكملتين للفيلم على عكس معظم أفلام اليوم التي تجيء فيها الأغنية منفصلة عن محتوى الفيلم ومعاكسة لإيقاعه. وتم استخدام الموسيقى الكلاسيكية في جزء كبير من الفيلم كموسيقى للخلفية، بينما كانت الموسيقى قدسية في مشهد العيد المسيحي.
قصة الفيلم جاءت بسيطة وسلسة، دون أحداث درامية ضخمة، معتمدة على بناء الحدث بهدوء ودون ضجة. فلم تتصاعد حدة المشهد لدرجة الانفجار إلا مرة أو مرتين وفي مشاهد قصيرة نسبياً. وتخلى السيناريو أحياناً عن الحوار، مكتفياً بلغة العيون والجسد، تاركاً للمشاهد القدرة على استنباط الفكرة.
حاولت المخرجة من خلال الفيلم التعرض لأكبر عدد من قضايا المرأة التي يواجه المجتمع الشرقي صعوبة في فهمها والتعامل معها، وكان تعاملها معها في غاية البساطة والتساهل، فلم تظهر الفتاة التي أقامت علاقة خارج الزواج بالصورة النمطية التي درجت الأفلام على عرضها، والتي تظهر الفتاة كأنها تعيش حياة عابثة، ولكنها تندم على ما اقترفته ومن ثم تعود إلى السراط القويم. وفضلت عرض قضية المثليات جنسيا من بعيد، مكتفية بالرمز، فلم يقع الكتاب في فخ الوعظ المباشر الثقيل على القلب.
غيث عمر
لا شك أن فيلم سكر بنات (كراميل) هو فيلم نسوي الطابع، لكنه ظل مع ذلك قريباً من المشاهد من كلا الجنسين. فرغم أن الفيلم يتعرض لحياة مجموعة من النساء يعشن في بيروت، ورغم أنه يحرص على تغييب صورة الذكر قدر الإمكان، إلا أن الفيلم جاء واقعياً بدرجة مدهشة، من خلال تفاصيل الحياة اليومية التي يعرضها بدقة، كما عودتنا السينما اللبنانية التي طالما كانت صريحة إلى أبعد الحدود.
الفيلم الذي يستمد اسمه من مادة السكر التي تستعملها النساء لانتزاع الشعر عن أجسادهن، من اخراج اللبنانية نادين لبكي التي اشتهرت بإخراج عدة فيديوكليبات بالإضافة إلى التمثيل في أفلام أخرى، فجاء هذا الفيلم العميق والخفيف الظل مفاجئاً بعض الشيء. والفيلم من بطولة المخرجة التي شاركت أيضاً في كتابة السيناريو ومن بطولة مجموعة من الشباب والشابات الذين تمت ادارتهم بشكل جيد للحصول على أداء جيد من معظم الشخوص.
يتعرض الفيلم لحياة أربع شابات يعملن في صالون للتجميل في بيروت، وينحدرن من عائلات متوسطة الحال ومحافظة سواء أكانت مسلمة أم مسيحية. وتتعدد قصصهن فالبطلة ليال تحب شخصاً لم يظهر طوال الفيلم إلا من ظهره أو من بعيد، وكل ما نعرفه عنه أنه متزوج ولديه ابنة، وقد سهّل عدم ظهوره في الفيلم من عملية طرحه كشخص لا يخون زوجنه وحسب، بل يعامل عشيقته أيضاً بمنتهى الدناءة والحقارة، ونلاحظ طوال الفيلم أن الذكر هو الغائب الحاضر، فهو لا يؤثر في الأحداث بشكل مباشر، لكنه السبب فيها بطريقة أو بأخرى، فالنساء اللواتي يعملن في مكان محرّم على الرجال، لم يستطعن التخلص من سلطته ونفوذه. وهناك أيضاً نسرين الشابة المسلمة التي على وشك الزواج، ولكنها تخضع لعملية لاعادة ما فقدته في علاقة سابقة لا يدري خطيبها شيئاً عنها.
قصة جمال هي قصة تقليدية، فهي مطلقة تعيش مع ولديها بعيداً عن طليقها الذي يهمل أولاده ليظل مع عشيقته، بينما تحاول جمال -كامرأة في منتصف العمر- التشبث ببقايا شبابها وجمالها، فتخدع من حولها بإظهار أن دورتها الشهرية ما زالت منتظمة، بينما هي –في الحقيقة- قد جاوزت سن اليأس. وفي هذا الفيلم الملئ بالرموز، قد تكون قصة ريما –الشابة الرابعة في الصالون- هي الأكثر رمزية وامتلاءاً بالإشارات التي لا يجرؤ المجتمع على طرحها، فريما ترتدي ملابساً شبيهة بملابس الرجال دائماً، ومن ثم تنشأ علاقة غريبة بينها وبين زبونة جميلة باتت تتردد على الصالون لتغسل ريما شعرها، فكأنهما سحاقيتان تمارسان الحب عن طريق هذه الطقوس، وتقترح ريما على الزبونة أن تقص شعرها لتصبح مثلها، فترد الزبونة بأن أهلها سيثورون ان هي قامت بذلك، لتقوم في نهاية الفيلم بقص شعرها متحررة من سلطة العائلة وكاسرة التابو.
ونعرف منذ بداية الفيلم أن الشرطي يوسف يحب ليال، ولكنها تكرهه لسماجته، فتكون أكثر مشاهد الفيلم رمزية عندما تقوم الفتيات بسحب الذكر إلى عالمهن (صالون التجميل) الذي يعتبر من المحرمات على الذكور، فيدخل وراء الباب المغلق ويكون في غاية الارتباك، وتقمن بعد ذلك بازالة شاربه وبعض شعر وجهه بالسكر، في طقوس شبيهة بالتطهير الكنسي حيث تقاطعت هذه المشاهد مع مشهد العيد الذي يعرض رجال الكنيسة والأطفال يمشون في الشوارع ويغنون التراتيل الكنسية. ليكتسب بعد مروره بهذه الطقوس الأنثوية تعاطف وحب المشاهد، فكأن العلاقة السوية بين الرجل والمرأة قائمة على تخلي الذكر عن غروره والتسليم بالمساواة التي هي أساس أي علاقة سوية.
تميز الفيلم منذ بدايته بسينماتوغرافيا في غاية الاتقان، وكانت لقطاته مصورة ببراعة، وكانت اللقطات القريبة على الوجوه قليلة ومستخدمة بحكمة، فلم تقطع تدفق المشاهد. وكانت معظم اللقطات البعيدة ثابتة وتحتوي على قدر من العمق والرمزية. وقد يرجع الفضل هنا إلى الفريق الذي ساعد المخرجة التي كانت أمام الكاميرا معظم وقت الفيلم.
يحتوي الفيلم على أغنيتين من غناء رشا سلامة جاءتا متناسبتين مع نسق الفيلم وأحداثه، فكانتا مكملتين للفيلم على عكس معظم أفلام اليوم التي تجيء فيها الأغنية منفصلة عن محتوى الفيلم ومعاكسة لإيقاعه. وتم استخدام الموسيقى الكلاسيكية في جزء كبير من الفيلم كموسيقى للخلفية، بينما كانت الموسيقى قدسية في مشهد العيد المسيحي.
قصة الفيلم جاءت بسيطة وسلسة، دون أحداث درامية ضخمة، معتمدة على بناء الحدث بهدوء ودون ضجة. فلم تتصاعد حدة المشهد لدرجة الانفجار إلا مرة أو مرتين وفي مشاهد قصيرة نسبياً. وتخلى السيناريو أحياناً عن الحوار، مكتفياً بلغة العيون والجسد، تاركاً للمشاهد القدرة على استنباط الفكرة.
حاولت المخرجة من خلال الفيلم التعرض لأكبر عدد من قضايا المرأة التي يواجه المجتمع الشرقي صعوبة في فهمها والتعامل معها، وكان تعاملها معها في غاية البساطة والتساهل، فلم تظهر الفتاة التي أقامت علاقة خارج الزواج بالصورة النمطية التي درجت الأفلام على عرضها، والتي تظهر الفتاة كأنها تعيش حياة عابثة، ولكنها تندم على ما اقترفته ومن ثم تعود إلى السراط القويم. وفضلت عرض قضية المثليات جنسيا من بعيد، مكتفية بالرمز، فلم يقع الكتاب في فخ الوعظ المباشر الثقيل على القلب.
Tuesday, December 11, 2007
الغانية النائمة
الغانية النائمة
يأخذنا الروائي الكبير غابرييل ماركيز مرة أخرى إلى عوالم سحرية، في رواية جديدة صغيرة نسبياً صدرت تحت اسم "ذاكرة غانياتي الحزينات".
بطل الرواية هو رجل أعزب في التسعين من عمره، يعيش في عزلة عما حوله، واسع الاطلاع لكنه يفتقر إلى الابداع، لذلك هو يعتمد على النزر القليل الذي يجنيه من معاش تقاعدي من وظيفته كمحرر رسائل في صحيفة وبضعة مقالات ينشرها هنا وهناك بالإضافة إلى ثروة عائلته التي استهلكها ببطء.
يمضي العجوز أيامه بين كتبه اللاتينية والإغريقية والموسيقى الكلاسيكية (مثل باخ وموتسارت)، يكتب مقالاته بنزق منتظراً موتاً تأخر في المجيء. ويقرر البطل في يوم ميلاده التسعين أن يهدي نفسه فتاة عذراء في مقتبل العمر، ويتصل بقوادة يعرفها، فتتدبر الأمر. وحين يدخل غرفة الفتاة –في بيت الدعارة- يجدها نائمة، وهنا يرتبك العجوز بشدة، ويفضل أن يراقب "الطفلة" النائمة بدلا من إيقاظها، وفي النهاية ينام بجانبها، ليكتشف "المتعة التي لا تصدق في تأمل جسد امرأة نائمة دون تسرع الشهوة أو عوائق الحياء". فيكتشف العجوز في التسعين أنه –رغم علاقاته الجنسية المتعددة- لم يحبّ امرأة قطّ، وأن علاقته العذرية بالطفلة النائمة هي –رغب غرابتها- أقرب ما حظي به إلى علاقة حبّ طبيعية. "لم أضاجع امرأة قطّ، دون أن أدفع لها؛ والقليلات اللواتي لم يكنّ من نساء المهنة، أقنعتهن بالحجة أو بالإكراه." حيث أنه مارس الجنس آلاف المرات في حياته ولكنه لم يمارس الحب قطّ. "كنّ حتى الخمسين من عمري خمسمئة وأربع عشرة امرأة".
يحافظ العجوز على علاقته بالفتاة، فيواظب على زيارتها كل ليلة محافظاً على الشكل الغريب للعلاقة، فهو لا يراها مستيقظة أبداً ولا يكلمها، ولا يعرف عنها حتى اسمها، مما دفعه لاحقاً إلى أن يسمّيها ديلغادينا، وهو اسم فتاة في ترنيمة لاحظ أنها انفعلت في نومهاعندما غناها لها. ويحس العجوز بعد هذه العلاقة أن عمره لم يعد مسألة يجب أن تحد من نشاطه، وأنه ما زال قادراً على الإنجاز والعطاء، فينشط في كتابة مقالاته باعتبار أن كل ما يكتبه هو من أجلها، فهذه العلاقة الشابة كأنها أعطته هدفاً يعمل من أجله. "ومغشى عليّ باستذكار ديلغادينا النائمة، دون هوادة، بدلت دون أدنى خبث روح مقالاتي في أيام الآحاد. فصرت أكتبها لها، أياً كانت المسألة التي أطرحها."
لتنعكس هذه العلاقة في المقالات، "صرت أكتبها كرسائل حب، يمكن لأي كان أن يعتبرها له" أي أنه لم يبدأ في الابداع إلا الآن. وبالفعل فقد جذبت التغييرات الجذرية في نوعية مقالاته الكثير من القراء، بل وأصبح محط اهتمام النقاد ومادة صالحة للجدال.
ويظهر نشاط العجوز بعد ذلك من خلال اعتنائه بالمنزل القديم الذي كان قد بدأ بالتهدم، فيعمل على ترميمه، واصلاحه، في اشارة إلى حياته التي كانت حطاماً، قبل أن يقابل الطفلة. "كان البيت يولد من رماده، وأنا أبحر في حب ديلغادينا بزخم وسعادة لم أعرفهما قط، في حياتي السابقة." حيث أنه من الطريف أن يعتبر العجوز أن لديه حياتين، أولاهما التسعون عاماً التي قضاها دون حب والحياة الثانية/البعث هي علاقة عمرها بضعة أسابيع.
تبدأ علاقته بالطفلة بالتطور بشكل غريب، فهما يتقابلان كل ليلة، لكن دون أن يقوم بينهما أي نوع من الاتصال الانساني.
ونلحظ غرابة نوع العلاقة بينهما، فالعجوز يقرأ لها القصص التي يجب أن يقرأها من في سنها، في محاولة لتعويضها عن طفولتها المفقودة، فهي تعتني بأمها المريضة وإخوتها الصغار وتعمل عملاً مرهقاً في أحد المصانع. ويحاول أن يسمعها موسيقى راقية، كأنه قائم على تربيتها، فعلاقته بها أقرب إلى الأبوة، التي لم يجربها من قبل. ويعمل كذلك على نقل بعض ممتلكاته المفضلة، من كتب ولوحات إلى فرشاة أسنان ومستلزمات شخصية، إلى الغرفة التي يلتقيان فيها، ليحول بيت الدعارة إلى بيت له.
ومن المذهل أيضاً أن العجوز تعلم أن يتواصل معها خلال نومها، "فقد توصلت إلى العثور على نبرة صوت حذر، تسمعه هي دون أن تستيقظ، وتردّ عليّ بلغة طبيعية من جسدها." في نوع من التفاهم الذي تجاوز الحواس الخمس، ليلتقيا في بعد آخر، تفتحت عليه عينا العجوز فجأة، ليصاب بدهشة كدهشة الأطفال من المشاعر التي تنتابه، بل ومن تصرفاته ومشاعره التي أصبحت مرهفة كما لم تكن من قبل، "صرت سهل الدمع، فأي احساس له علاقة بالحنان، يسبب لي عقدة في حلقي، لا أتمكن دوماً من التحكم فيها."
وفي نهاية هذه العلاقة/الرحلة التي اكتشف فيها الرجل نفسه وما لم يعرف عن الحب، تقول له احدى عشيقاته السابقات "إياك أن تموت قبل أن تجرب روعة لمضاجعة عن حبّ." ويقرر بعد ذلك أن ينتقل للعيش مع حبيبته التي أحسها كروح أو حلم بدل أن يعرفها كشخص من لحم ودم، حيث يشعر أنه "ليس هناك نكبة أسوأ من موت المرء وحيداً".
يأخذنا الروائي الكبير غابرييل ماركيز مرة أخرى إلى عوالم سحرية، في رواية جديدة صغيرة نسبياً صدرت تحت اسم "ذاكرة غانياتي الحزينات".
بطل الرواية هو رجل أعزب في التسعين من عمره، يعيش في عزلة عما حوله، واسع الاطلاع لكنه يفتقر إلى الابداع، لذلك هو يعتمد على النزر القليل الذي يجنيه من معاش تقاعدي من وظيفته كمحرر رسائل في صحيفة وبضعة مقالات ينشرها هنا وهناك بالإضافة إلى ثروة عائلته التي استهلكها ببطء.
يمضي العجوز أيامه بين كتبه اللاتينية والإغريقية والموسيقى الكلاسيكية (مثل باخ وموتسارت)، يكتب مقالاته بنزق منتظراً موتاً تأخر في المجيء. ويقرر البطل في يوم ميلاده التسعين أن يهدي نفسه فتاة عذراء في مقتبل العمر، ويتصل بقوادة يعرفها، فتتدبر الأمر. وحين يدخل غرفة الفتاة –في بيت الدعارة- يجدها نائمة، وهنا يرتبك العجوز بشدة، ويفضل أن يراقب "الطفلة" النائمة بدلا من إيقاظها، وفي النهاية ينام بجانبها، ليكتشف "المتعة التي لا تصدق في تأمل جسد امرأة نائمة دون تسرع الشهوة أو عوائق الحياء". فيكتشف العجوز في التسعين أنه –رغم علاقاته الجنسية المتعددة- لم يحبّ امرأة قطّ، وأن علاقته العذرية بالطفلة النائمة هي –رغب غرابتها- أقرب ما حظي به إلى علاقة حبّ طبيعية. "لم أضاجع امرأة قطّ، دون أن أدفع لها؛ والقليلات اللواتي لم يكنّ من نساء المهنة، أقنعتهن بالحجة أو بالإكراه." حيث أنه مارس الجنس آلاف المرات في حياته ولكنه لم يمارس الحب قطّ. "كنّ حتى الخمسين من عمري خمسمئة وأربع عشرة امرأة".
يحافظ العجوز على علاقته بالفتاة، فيواظب على زيارتها كل ليلة محافظاً على الشكل الغريب للعلاقة، فهو لا يراها مستيقظة أبداً ولا يكلمها، ولا يعرف عنها حتى اسمها، مما دفعه لاحقاً إلى أن يسمّيها ديلغادينا، وهو اسم فتاة في ترنيمة لاحظ أنها انفعلت في نومهاعندما غناها لها. ويحس العجوز بعد هذه العلاقة أن عمره لم يعد مسألة يجب أن تحد من نشاطه، وأنه ما زال قادراً على الإنجاز والعطاء، فينشط في كتابة مقالاته باعتبار أن كل ما يكتبه هو من أجلها، فهذه العلاقة الشابة كأنها أعطته هدفاً يعمل من أجله. "ومغشى عليّ باستذكار ديلغادينا النائمة، دون هوادة، بدلت دون أدنى خبث روح مقالاتي في أيام الآحاد. فصرت أكتبها لها، أياً كانت المسألة التي أطرحها."
لتنعكس هذه العلاقة في المقالات، "صرت أكتبها كرسائل حب، يمكن لأي كان أن يعتبرها له" أي أنه لم يبدأ في الابداع إلا الآن. وبالفعل فقد جذبت التغييرات الجذرية في نوعية مقالاته الكثير من القراء، بل وأصبح محط اهتمام النقاد ومادة صالحة للجدال.
ويظهر نشاط العجوز بعد ذلك من خلال اعتنائه بالمنزل القديم الذي كان قد بدأ بالتهدم، فيعمل على ترميمه، واصلاحه، في اشارة إلى حياته التي كانت حطاماً، قبل أن يقابل الطفلة. "كان البيت يولد من رماده، وأنا أبحر في حب ديلغادينا بزخم وسعادة لم أعرفهما قط، في حياتي السابقة." حيث أنه من الطريف أن يعتبر العجوز أن لديه حياتين، أولاهما التسعون عاماً التي قضاها دون حب والحياة الثانية/البعث هي علاقة عمرها بضعة أسابيع.
تبدأ علاقته بالطفلة بالتطور بشكل غريب، فهما يتقابلان كل ليلة، لكن دون أن يقوم بينهما أي نوع من الاتصال الانساني.
ونلحظ غرابة نوع العلاقة بينهما، فالعجوز يقرأ لها القصص التي يجب أن يقرأها من في سنها، في محاولة لتعويضها عن طفولتها المفقودة، فهي تعتني بأمها المريضة وإخوتها الصغار وتعمل عملاً مرهقاً في أحد المصانع. ويحاول أن يسمعها موسيقى راقية، كأنه قائم على تربيتها، فعلاقته بها أقرب إلى الأبوة، التي لم يجربها من قبل. ويعمل كذلك على نقل بعض ممتلكاته المفضلة، من كتب ولوحات إلى فرشاة أسنان ومستلزمات شخصية، إلى الغرفة التي يلتقيان فيها، ليحول بيت الدعارة إلى بيت له.
ومن المذهل أيضاً أن العجوز تعلم أن يتواصل معها خلال نومها، "فقد توصلت إلى العثور على نبرة صوت حذر، تسمعه هي دون أن تستيقظ، وتردّ عليّ بلغة طبيعية من جسدها." في نوع من التفاهم الذي تجاوز الحواس الخمس، ليلتقيا في بعد آخر، تفتحت عليه عينا العجوز فجأة، ليصاب بدهشة كدهشة الأطفال من المشاعر التي تنتابه، بل ومن تصرفاته ومشاعره التي أصبحت مرهفة كما لم تكن من قبل، "صرت سهل الدمع، فأي احساس له علاقة بالحنان، يسبب لي عقدة في حلقي، لا أتمكن دوماً من التحكم فيها."
وفي نهاية هذه العلاقة/الرحلة التي اكتشف فيها الرجل نفسه وما لم يعرف عن الحب، تقول له احدى عشيقاته السابقات "إياك أن تموت قبل أن تجرب روعة لمضاجعة عن حبّ." ويقرر بعد ذلك أن ينتقل للعيش مع حبيبته التي أحسها كروح أو حلم بدل أن يعرفها كشخص من لحم ودم، حيث يشعر أنه "ليس هناك نكبة أسوأ من موت المرء وحيداً".
البرتقالة الآلية A clockwork orange
البرتقالة الآلية A clockwork orange
غيث عمر
يبدأ فيلم "البرتقالة الآلية" بلقطة كبيرة جداً لعين ألكس، ومن ثم تبتعد الكاميرا ببطء عن عينه الجذابة –نوعاً ما- برمشها الاصطناعي والنظرة الكسولة، لتحيط بالبار الذي يجلس فيه ألكس وأصدقاؤه يحتسون حليباً مخلوطاً بمخدر. "البطل المضاد" ألكس –كما سنكتشف بعد قليل- هو شاب لم يتجاوز العشرين، وهو قائد لعصابة من أربعة أفراد ترتدي ملابساً موحدة غريبة، وتمارس "العنف المتطرف" كما يصفه الراوي، فيضربون في بداية الفيلم متشرداً سكّيراً، ويقاتلون عصابة أخرى من العصابات التي تسيطر على المدينة التي تشبه لندن المستقبل كما تخيلها المؤلف وإن بقيت دون اسم.
الفيلم المنتج في عام 1972 مأخوذ من رواية بنفس الاسم تعود إلى عام 1962، قام المخرج الشهير "ستانلي كوبريك" بكتابة سيناريو الفيلم، ولم يغير في الرواية إلا النهاية المتفائلة والتي لم تكن موجودة أصلاً في النسخة الأمريكية للرواية والتي استعملها في فيلمه المثير للجدل.
يحاول المخرج منذ البداية ربطنا بشكل وثيق مع البطل/الراوي، الذي سيرتكب خلال الفيلم –بعد قليل- أبشع الجرائم. يفعل ذلك من خلال اللقطة السابفة والمحبوكة بشكل جيد، حيث استخدم المخرج اللقطة الكبيرة جداً لعين البطل ليجعل المشاهد على تواصل معه منذ بداية الفيلم، مع المحافظة على صوته أيضاً طوال الفيلم. فنجح في أن يستدرج المشاهد إلى تعاطف –لا أخلاقي ربما- لم يكن ليتحقق في ظروف طبيعية.
في الثلث الأول من الفيلم يذهب ألكس وعصابته إلى بيت اختاروه عشوائياً ويدخلون مرتدين أقنعة سخيفة تخفي وجوههم، ليقوموا بربط رب المنزل الكاتب العجوز ويغتصبون زوجته أمامه بينما ألكس قائد المجموعة يغني أغنية (غناء في المطر)(singin’ in the rain) المرحة من الفيلم الغنائي الكلاسيكي الشهير. ويقع ألكس بعد أيام في قبضة الشرطة، نتيجة خيانة أصدقائه له، ليجد أنه أدين في قضية قتله لامرأة أخرى كانت تعيش وحيدة.
يمثلُ السجنُ الثلثَ الثاني من الفيلم، حيث أنه بعد قضائه فترة في "بيت الإصلاح"، اكتسب ألكس الشاب رذائل أخرى . ولكن شبابه واندفاعه أهلاه ليكون فأر تجارب لعالم ابتكر أسلوباً من "غسيل الدماغ"، حيث يعالج مجرماً لعدة أيام يطلق سراحه بعدها، واثقاً أن علاجه –المبني على تعريض المجرم لكم هائل من الأفلام التي تحوي جنساً وعنفاً بالإضافة إلى عقار ما- سيجعل المجرم غير قادر على ارتكاب أي نوع من العنف. الهدف من هذا النوع من العلاج هو التخلص من السجناء الجنائيين لإفساح مكان للسجناء السياسيين.
الجزء الأخير من الفيلم يتحدث عن ألكس الجديد، الذي خضع للعلاج وخرج رجلاً جديداً للمجتمع، حيث أن ألكس الجديد يصاب بغثيان عند مجرد محاولته القيام أو رؤيته لأي نوع من العنف. في هذا الجزء تعود كل الشخصيات التي مرت منذ بداية الفيلم لتؤدي دوراً بناءً على ما تعرضت له في الجزء الأول على يدي ألكس، فكأنها صورة مباشرة للجريمة والعقاب، ولكن استطاع المؤلف أن يروي القصة بحيث يتضامن المتفرج مع البطل الذي ربما يستحق العقاب أصلاً. فوالدا ألكس الذين ظهرا بالكاد خلال الفيلم، يرفضان أن يعود إلى المنزل، ورفاقه الذين تسببوا بسجنه قد أصبحوا يعملون في سلك الشرطة ويقومون بضربه ضرباً مبرحاً. وينتهي هذا الجزء من الفيلم عندما يقوم الكاتب العجوز –المقعد حالياً- بحبس ألكس وتعذيبه عقاباً على اغتصاب زوجته والتسبب في قتلها. ويذكر هذا الأسلوب في الفيلم بقصص ديكنز الكلاسيكية حيث أن الشخصيات التي ظهرت في بداية الفيلم يعاد استخدامها مجدداً.
وكخاتمة للفيلم، يزور الوزير الذي أقر التجارب ألكس في المشفى الذي يتعالج فيه بعد هربه من الكاتب، ويخبره أن الكاتب والعالم قد تم التخلص منهما، وأن الحزب الحاكم يحتاج إلى مساندة ألكس بعد الفضيحة التي هزت المجتمع وقد تؤثر على الحزب في الانتخابات المقبلة. ليعرض على ألكس وظيفة مريحة في الحكومة، وينتهي الفيلم بحلم داعر لألكس يؤكد أن الفتى قد عاد إلى طبيعته الشرسة.
تغير الألوان المستعملة خلال الفيلم يدل على الحالة العامة للمشاهد، فتستخدم في بداية الفيلم ألوان حارة (برتقالي،أحمر،أصفر) بينما تسيطر الألوان الباردة (أزرق، أخضر) على النصف الأقل عنفاً من الفيلم.
ويستعمل المخرج الموسيقى ببراعة، حيث يمزج كلاسيكيات الموسيقى العالمية مع موسيقى صاخبة الهدف منها ابقاء المشاهد متحفزاً ومتوترا، كي لا يسترخي في ذلك الجو المملوء بالعنف. بالإضافة إلى الحركة التي قد تبدو غريبة أو فجة للكاميرا، التي ربما تعبر عن غرابة العالم الذي تجري فيه الأحداث، فكأن المخرج يحاول انشاء رابطة مع البطل مع ابقاء مسافة بين المتفرج والعنف الدائر أمامه.
الفيلم ربما يكون عبارة عن رمز للثورة، فألكس الشاب الذي يقوم مع أصدقائه بارتكاب العنف هم في الحقيقة يعملون ضد الحكومة الاستبدادية، رغم أن عنفهم ليس موجهاً ضد الدولة، لكنه على الأغلب نتيجة لعنف الدولة. بينما تحاول الدولة السيطرة على الشباب عن طريق نوع من غسيل الدماغ، للحفاظ على عادات المجتمع المحافظ ضد الجنس-العنف، لتنجح في النهاية في ضم الشباب إلى صفوفها.
الفيلم المتكامل من جميع النواحي الفنية، سانده الأداء المتميز للممثلين وخاصة ألكس الذي تقمص الدور فعلاً وكان طبيعياً جداً فيه، فالمخرج معروف بأنه متطلب جداً ويستطيع أن يحصل من طاقمه على أفضل ما لديهم. ترشح الفيلم لأربع جوائز "أوسكار" من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل نص، لكنه خسرها جميعاً أمام فيلم "الرابطة الفرنسية" The French Connection.
غيث عمر
يبدأ فيلم "البرتقالة الآلية" بلقطة كبيرة جداً لعين ألكس، ومن ثم تبتعد الكاميرا ببطء عن عينه الجذابة –نوعاً ما- برمشها الاصطناعي والنظرة الكسولة، لتحيط بالبار الذي يجلس فيه ألكس وأصدقاؤه يحتسون حليباً مخلوطاً بمخدر. "البطل المضاد" ألكس –كما سنكتشف بعد قليل- هو شاب لم يتجاوز العشرين، وهو قائد لعصابة من أربعة أفراد ترتدي ملابساً موحدة غريبة، وتمارس "العنف المتطرف" كما يصفه الراوي، فيضربون في بداية الفيلم متشرداً سكّيراً، ويقاتلون عصابة أخرى من العصابات التي تسيطر على المدينة التي تشبه لندن المستقبل كما تخيلها المؤلف وإن بقيت دون اسم.
الفيلم المنتج في عام 1972 مأخوذ من رواية بنفس الاسم تعود إلى عام 1962، قام المخرج الشهير "ستانلي كوبريك" بكتابة سيناريو الفيلم، ولم يغير في الرواية إلا النهاية المتفائلة والتي لم تكن موجودة أصلاً في النسخة الأمريكية للرواية والتي استعملها في فيلمه المثير للجدل.
يحاول المخرج منذ البداية ربطنا بشكل وثيق مع البطل/الراوي، الذي سيرتكب خلال الفيلم –بعد قليل- أبشع الجرائم. يفعل ذلك من خلال اللقطة السابفة والمحبوكة بشكل جيد، حيث استخدم المخرج اللقطة الكبيرة جداً لعين البطل ليجعل المشاهد على تواصل معه منذ بداية الفيلم، مع المحافظة على صوته أيضاً طوال الفيلم. فنجح في أن يستدرج المشاهد إلى تعاطف –لا أخلاقي ربما- لم يكن ليتحقق في ظروف طبيعية.
في الثلث الأول من الفيلم يذهب ألكس وعصابته إلى بيت اختاروه عشوائياً ويدخلون مرتدين أقنعة سخيفة تخفي وجوههم، ليقوموا بربط رب المنزل الكاتب العجوز ويغتصبون زوجته أمامه بينما ألكس قائد المجموعة يغني أغنية (غناء في المطر)(singin’ in the rain) المرحة من الفيلم الغنائي الكلاسيكي الشهير. ويقع ألكس بعد أيام في قبضة الشرطة، نتيجة خيانة أصدقائه له، ليجد أنه أدين في قضية قتله لامرأة أخرى كانت تعيش وحيدة.
يمثلُ السجنُ الثلثَ الثاني من الفيلم، حيث أنه بعد قضائه فترة في "بيت الإصلاح"، اكتسب ألكس الشاب رذائل أخرى . ولكن شبابه واندفاعه أهلاه ليكون فأر تجارب لعالم ابتكر أسلوباً من "غسيل الدماغ"، حيث يعالج مجرماً لعدة أيام يطلق سراحه بعدها، واثقاً أن علاجه –المبني على تعريض المجرم لكم هائل من الأفلام التي تحوي جنساً وعنفاً بالإضافة إلى عقار ما- سيجعل المجرم غير قادر على ارتكاب أي نوع من العنف. الهدف من هذا النوع من العلاج هو التخلص من السجناء الجنائيين لإفساح مكان للسجناء السياسيين.
الجزء الأخير من الفيلم يتحدث عن ألكس الجديد، الذي خضع للعلاج وخرج رجلاً جديداً للمجتمع، حيث أن ألكس الجديد يصاب بغثيان عند مجرد محاولته القيام أو رؤيته لأي نوع من العنف. في هذا الجزء تعود كل الشخصيات التي مرت منذ بداية الفيلم لتؤدي دوراً بناءً على ما تعرضت له في الجزء الأول على يدي ألكس، فكأنها صورة مباشرة للجريمة والعقاب، ولكن استطاع المؤلف أن يروي القصة بحيث يتضامن المتفرج مع البطل الذي ربما يستحق العقاب أصلاً. فوالدا ألكس الذين ظهرا بالكاد خلال الفيلم، يرفضان أن يعود إلى المنزل، ورفاقه الذين تسببوا بسجنه قد أصبحوا يعملون في سلك الشرطة ويقومون بضربه ضرباً مبرحاً. وينتهي هذا الجزء من الفيلم عندما يقوم الكاتب العجوز –المقعد حالياً- بحبس ألكس وتعذيبه عقاباً على اغتصاب زوجته والتسبب في قتلها. ويذكر هذا الأسلوب في الفيلم بقصص ديكنز الكلاسيكية حيث أن الشخصيات التي ظهرت في بداية الفيلم يعاد استخدامها مجدداً.
وكخاتمة للفيلم، يزور الوزير الذي أقر التجارب ألكس في المشفى الذي يتعالج فيه بعد هربه من الكاتب، ويخبره أن الكاتب والعالم قد تم التخلص منهما، وأن الحزب الحاكم يحتاج إلى مساندة ألكس بعد الفضيحة التي هزت المجتمع وقد تؤثر على الحزب في الانتخابات المقبلة. ليعرض على ألكس وظيفة مريحة في الحكومة، وينتهي الفيلم بحلم داعر لألكس يؤكد أن الفتى قد عاد إلى طبيعته الشرسة.
تغير الألوان المستعملة خلال الفيلم يدل على الحالة العامة للمشاهد، فتستخدم في بداية الفيلم ألوان حارة (برتقالي،أحمر،أصفر) بينما تسيطر الألوان الباردة (أزرق، أخضر) على النصف الأقل عنفاً من الفيلم.
ويستعمل المخرج الموسيقى ببراعة، حيث يمزج كلاسيكيات الموسيقى العالمية مع موسيقى صاخبة الهدف منها ابقاء المشاهد متحفزاً ومتوترا، كي لا يسترخي في ذلك الجو المملوء بالعنف. بالإضافة إلى الحركة التي قد تبدو غريبة أو فجة للكاميرا، التي ربما تعبر عن غرابة العالم الذي تجري فيه الأحداث، فكأن المخرج يحاول انشاء رابطة مع البطل مع ابقاء مسافة بين المتفرج والعنف الدائر أمامه.
الفيلم ربما يكون عبارة عن رمز للثورة، فألكس الشاب الذي يقوم مع أصدقائه بارتكاب العنف هم في الحقيقة يعملون ضد الحكومة الاستبدادية، رغم أن عنفهم ليس موجهاً ضد الدولة، لكنه على الأغلب نتيجة لعنف الدولة. بينما تحاول الدولة السيطرة على الشباب عن طريق نوع من غسيل الدماغ، للحفاظ على عادات المجتمع المحافظ ضد الجنس-العنف، لتنجح في النهاية في ضم الشباب إلى صفوفها.
الفيلم المتكامل من جميع النواحي الفنية، سانده الأداء المتميز للممثلين وخاصة ألكس الذي تقمص الدور فعلاً وكان طبيعياً جداً فيه، فالمخرج معروف بأنه متطلب جداً ويستطيع أن يحصل من طاقمه على أفضل ما لديهم. ترشح الفيلم لأربع جوائز "أوسكار" من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل نص، لكنه خسرها جميعاً أمام فيلم "الرابطة الفرنسية" The French Connection.
Friday, December 7, 2007
خيانة مشروعة
"خيانة مشروعة"
فلم بوليسي يتبع التقاليد الأمريكية
غيث عمر
فيلم خيانة مشروعة هو أحدث أفلام المخرج الشاب خالد يوسف، الذي قام أيضاً بكتابة النص والسيناريو والحوار، من بطولة هاني سلامة ومي عزالدين وسمية الخشاب وهشام سليم. ويمكن تصنيف الفيلم على أنه من أفلام الحركة التي درجت السينما المصرية على انتاجها في السنوات الأخيرة، ولكن حبكته البوليسية المليئة بالمفاجآت تتشابه إلى حد كبير مع أفلام أمريكية تجارية يتم انتاجها بتزايد مضطرد منذ ما يقارب العشرة أعوام، وتلقى رواجاً شعبياً هائلاً خصوصاً بين الشباب رغم تدني مستواها الفني، قد يكون أحدثها سلسلة أفلام "منشارSaw".
الفيلم يعتمد بشكل كبير على أسلوب تيار الوعي أو الاسترجاع "فلاش باك"، حيث يتم الانتقال إلى الأحداث التي حدثت في الماضي فجأة ويتم دمجها مع أحداث الحاضر باستخدام تقنيات الكمبيوتر، ويعتمد أيضاً على كشف القصة شيئاً فشيئاً ليبقى المشاهد متحفزاً للحقائق التي تعطى له بالتدريج، ليصبح أسلوب كشف الحدث أهم من الحدث نفسه ويطغى أسلوب السرد على المضمون، مما يوفر متعة سهلة للمشاهد لا تحثه على التفكير ولا تحمل فكرة أعمق مما يعرض ببساطة على الشاشة.
من المفترض أن الفيلم يتحدث عن الطبقة الوسطى في مصر، والتي بدأت تنهار بشكل مخيف منذ تطبيق سياسات الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي، ولكن بدلا من ذلك فإن أحداث الفيلم تدور بين القصور والشقق الفخمة والبارات لعرض حياة الطبقة الغنية في معظم مشاهده، ولا يتعرض لحياة الطبقة المتوسطة إلا في مشهدين، يخلط في أحدهما بين بقايا الطبقة المتوسطة المثقفة –التي لا تزال على شيء من البرجوازية- والطبقة الفقيرة التي تؤمن بمعتقداتها ببلاهة.
ويبدأ الفيلم بالقول إن هذه قصة ثلاث نساء عرفهنّ البطل/الراوي "هشام البحيري" الذي قام بدوره هاني سلامة، وأن ثلاثتهنّ ينتمين إلى الطبقة الفقيرة، ولكن جاءت شخصيات النساء فيه نمطية نوعاً ما، بالإضافة إلى أنهن لم يعطين الانطباع خلال الفيلم بأنهن من الطبقة الفقيرة. والنساء الثلاث هن زوجة هشام نهلة وعشيقته شهد "سمية الخشاب" و ريم زوجة أخيه "مي عزالدين". القصة هي ببساطة عن شاب غني طائش "هشام" تقوم عشيقته باقناعه بأنه يجب أن يقتل زوجته التي تخونه مع شاب آخر وأخاه الذي استولى على ميراثه، وذلك بأن يرتكب جريمة شرف يكون الاثنان ضحيتها، ليكتشف بعد ذلك أن زوجته لم تخنه وأن أخاه لم يستولِ على ماله.
ولكن الحوادث تسير بشكل غير مبرر أحياناً، فالمحقق –مثلاً- الذي يسعى لكشف الحقيقة ومستعد للتضحية بوظيفته لأجل ذلك، ويتحدث عن تخليص المجتمع من الفاسدين، لا يتوانى عن تعذيب شاب في سبيل الحصول على اعترافاته. والشخصيات سطحية في معظمها، ومن الممكن أن تجدها في معظم الأفلام التي صرنا نراها مؤخراً تحت اسم "سينما الشباب". ويحتوي الفيلم على أكثر من ثيمة مبتذلة مثل الشاب الطائش الذي يتغير بعد أن يحب الفتاة الطيبة، والعاشقة الغيورة المستعدة لفعل أي شيء في سبيل استرداد حبيبها..إلخ. واحتوى الفيلم على مشهد مطاردة بالسيارات لم يكن له داع إلا اجتذاب جمهور معين إلى الفيلم، وبضع مشاهد حركة يتغلب فيها البطل على خصومه على طريقة الأفلام المصرية القديمة.
اختار المخرج أن يصور لقطات قصيرة متتابعة، يتم مونتاجها على طريقة أفلام الأكشن الأمريكية، لتكون المشاهد قصيرة إلى درجة أنها ضاقت بالحوار، مما دفع بالمخرج إلى دبلجة الصوت في كثير من المشاهد، ليكون الصوت في الخلفية “Voice over” مشتركاً بين مشهدين ليربط بينهما. وجاءت حركة الكاميرا في كثير من الأحيان على نحو لا يتناسب مع الأحداث، فكانت إما أسرع من اللازم أو أبطأ دون حاجة حقيقية لذلك. رغم أن طاقم التمثيل يضم بعضاً من أفضل ممثلي الصف الأول في مصر اليوم، إلا أن أداءهم جاء سطحياً وغير مقنع على الإطلاق، ووصل إلى حد الإلقاء المسرحي في بعض المشاهد، خاصة تلك التي كانت ترتفع فيها أصواتهم بالصراخ دون وجود بناء نصّي قوي يبرر تصاعد المشهد.
الخلاصة أن الفيلم جاء مشتتاً بين عدد من المحاور، فجاء بناؤه بوليسياً ولكن إقحام حبكات عاطفية وسياسية لم يترك مجالاً لمعالجة أي قضية بالعمق الكافي، فالفيلم يحوي مشاهد بالغة القصر عن التعذيب في السجون، أو تدخل الحكومة لتحول دون انتخابات نزيهة، أو تنقل الانتهازيين من اليسار ثم الوسط فاليمين أخيراً للوصول إلى مجلس الشعب، ولكنه لا يتعمق في أي من هذه المشاكل على الإطلاق. ويعرض بدلاً من ذلك مشاهد طويلة لمطاردة السيارات أو القتال.
فلم بوليسي يتبع التقاليد الأمريكية
غيث عمر
فيلم خيانة مشروعة هو أحدث أفلام المخرج الشاب خالد يوسف، الذي قام أيضاً بكتابة النص والسيناريو والحوار، من بطولة هاني سلامة ومي عزالدين وسمية الخشاب وهشام سليم. ويمكن تصنيف الفيلم على أنه من أفلام الحركة التي درجت السينما المصرية على انتاجها في السنوات الأخيرة، ولكن حبكته البوليسية المليئة بالمفاجآت تتشابه إلى حد كبير مع أفلام أمريكية تجارية يتم انتاجها بتزايد مضطرد منذ ما يقارب العشرة أعوام، وتلقى رواجاً شعبياً هائلاً خصوصاً بين الشباب رغم تدني مستواها الفني، قد يكون أحدثها سلسلة أفلام "منشارSaw".
الفيلم يعتمد بشكل كبير على أسلوب تيار الوعي أو الاسترجاع "فلاش باك"، حيث يتم الانتقال إلى الأحداث التي حدثت في الماضي فجأة ويتم دمجها مع أحداث الحاضر باستخدام تقنيات الكمبيوتر، ويعتمد أيضاً على كشف القصة شيئاً فشيئاً ليبقى المشاهد متحفزاً للحقائق التي تعطى له بالتدريج، ليصبح أسلوب كشف الحدث أهم من الحدث نفسه ويطغى أسلوب السرد على المضمون، مما يوفر متعة سهلة للمشاهد لا تحثه على التفكير ولا تحمل فكرة أعمق مما يعرض ببساطة على الشاشة.
من المفترض أن الفيلم يتحدث عن الطبقة الوسطى في مصر، والتي بدأت تنهار بشكل مخيف منذ تطبيق سياسات الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي، ولكن بدلا من ذلك فإن أحداث الفيلم تدور بين القصور والشقق الفخمة والبارات لعرض حياة الطبقة الغنية في معظم مشاهده، ولا يتعرض لحياة الطبقة المتوسطة إلا في مشهدين، يخلط في أحدهما بين بقايا الطبقة المتوسطة المثقفة –التي لا تزال على شيء من البرجوازية- والطبقة الفقيرة التي تؤمن بمعتقداتها ببلاهة.
ويبدأ الفيلم بالقول إن هذه قصة ثلاث نساء عرفهنّ البطل/الراوي "هشام البحيري" الذي قام بدوره هاني سلامة، وأن ثلاثتهنّ ينتمين إلى الطبقة الفقيرة، ولكن جاءت شخصيات النساء فيه نمطية نوعاً ما، بالإضافة إلى أنهن لم يعطين الانطباع خلال الفيلم بأنهن من الطبقة الفقيرة. والنساء الثلاث هن زوجة هشام نهلة وعشيقته شهد "سمية الخشاب" و ريم زوجة أخيه "مي عزالدين". القصة هي ببساطة عن شاب غني طائش "هشام" تقوم عشيقته باقناعه بأنه يجب أن يقتل زوجته التي تخونه مع شاب آخر وأخاه الذي استولى على ميراثه، وذلك بأن يرتكب جريمة شرف يكون الاثنان ضحيتها، ليكتشف بعد ذلك أن زوجته لم تخنه وأن أخاه لم يستولِ على ماله.
ولكن الحوادث تسير بشكل غير مبرر أحياناً، فالمحقق –مثلاً- الذي يسعى لكشف الحقيقة ومستعد للتضحية بوظيفته لأجل ذلك، ويتحدث عن تخليص المجتمع من الفاسدين، لا يتوانى عن تعذيب شاب في سبيل الحصول على اعترافاته. والشخصيات سطحية في معظمها، ومن الممكن أن تجدها في معظم الأفلام التي صرنا نراها مؤخراً تحت اسم "سينما الشباب". ويحتوي الفيلم على أكثر من ثيمة مبتذلة مثل الشاب الطائش الذي يتغير بعد أن يحب الفتاة الطيبة، والعاشقة الغيورة المستعدة لفعل أي شيء في سبيل استرداد حبيبها..إلخ. واحتوى الفيلم على مشهد مطاردة بالسيارات لم يكن له داع إلا اجتذاب جمهور معين إلى الفيلم، وبضع مشاهد حركة يتغلب فيها البطل على خصومه على طريقة الأفلام المصرية القديمة.
اختار المخرج أن يصور لقطات قصيرة متتابعة، يتم مونتاجها على طريقة أفلام الأكشن الأمريكية، لتكون المشاهد قصيرة إلى درجة أنها ضاقت بالحوار، مما دفع بالمخرج إلى دبلجة الصوت في كثير من المشاهد، ليكون الصوت في الخلفية “Voice over” مشتركاً بين مشهدين ليربط بينهما. وجاءت حركة الكاميرا في كثير من الأحيان على نحو لا يتناسب مع الأحداث، فكانت إما أسرع من اللازم أو أبطأ دون حاجة حقيقية لذلك. رغم أن طاقم التمثيل يضم بعضاً من أفضل ممثلي الصف الأول في مصر اليوم، إلا أن أداءهم جاء سطحياً وغير مقنع على الإطلاق، ووصل إلى حد الإلقاء المسرحي في بعض المشاهد، خاصة تلك التي كانت ترتفع فيها أصواتهم بالصراخ دون وجود بناء نصّي قوي يبرر تصاعد المشهد.
الخلاصة أن الفيلم جاء مشتتاً بين عدد من المحاور، فجاء بناؤه بوليسياً ولكن إقحام حبكات عاطفية وسياسية لم يترك مجالاً لمعالجة أي قضية بالعمق الكافي، فالفيلم يحوي مشاهد بالغة القصر عن التعذيب في السجون، أو تدخل الحكومة لتحول دون انتخابات نزيهة، أو تنقل الانتهازيين من اليسار ثم الوسط فاليمين أخيراً للوصول إلى مجلس الشعب، ولكنه لا يتعمق في أي من هذه المشاكل على الإطلاق. ويعرض بدلاً من ذلك مشاهد طويلة لمطاردة السيارات أو القتال.
Subscribe to:
Posts (Atom)