غيث عمر
رغم أن عدة أفلام تتحدث عن غزو العراق وأفغانستان، وما خلفه هجوم 11\أيلول منذ حدوثه، إلا أنه من المثير للاهتمام أن يظهر هذا مؤخراً فيلم حربي، يعتبر ضخماً بالنظر إلى نجومه وايراداته، رغم أنه يتحدث عن الحرب الأفغانية-السوفييتية، والدور الذي لعبته الولايات المتحدة آنذاك.
فيلم “Charlie Wilson’s war” هو أحدث بطولة للممثل الأمريكي الأشهر "توم هانكس" الحائز على جائزة الأوسكار مرتين على التوالي، يقوم فيها بدور عضو الكونجرس الذي يحمل الفيلم اسمه. يشاركه البطولة كل من نجمة هوليوود "جوليا روبرتس" في دور "Joan"، والممثل الموهوب "فيليب سيمور هوفمان" الذي بات وجهاً مألوفاً في كثير من الأفلام مؤخراً، سواء في دور البطولة أم في أدوار ثانوية شديدة التنوع، يلعب هنا دور رجل مخابرات في “CIA” اسمه "Gust". هذه الأسماء بحد ذاتها كافية لتغري أي منتج بانتاج الفيلم، فأرباحه مضمونة، ربما كان هذا سبباً دفع توم هانكس إلى انتاجه بنفسه.
عندما يشاهد تشارلي تقريراً متلفزاً عن المجاهدين، يسأل تشارلي أحد الموظفين في الكونغرس عن ميزانية العمليات المخصصة لأفغانستان، ويطلب منه أن يرفعها من خمسة ملايين إلى عشرة ملايين. عند ملاحظة اهتمامه بالقضية، تتصل به جوان –امرأة ثرية من تكساس- لتطلب منه حضور فيلم عن الوضع في أفغانستان.
ترتب له بعد ذلك رحلة إلى باكستان، ليلتقي بالرئيس "ضياء الحق". في مشهد اللقاء بين تشارلي والرئيس ومساعديه، يتم تصوير الباكستانيين على أنهم محدودي الذكاء إلى حد ما، ومباشرون وعدوانيون في تعاملهم. ويزور بعد ذلك مخيمات اللاجئين على الحدود مع أفغانستان، ليرى آثار العدوان السوفييتي الغاشم على الأفغان معدومي الحيلة.
يعود تشارلي من باكستان ويطلب أن يلتقي فوراً بموظف من الاستخبارات ليبحث معه المسألة، ليقابل "غاس"، رجل الاستخبارات يوناني الأصل، ذو الخبرة الواسعة في الاستخبارات. يكتشفان أنهما يحتاجان إلى أسلحة سوفييتية الصنع –حتى لا تتورط الولايات المتحدة بشكل مباشر- ولا تتوفر هذه الأسلحة إلا عند مصر واسرائيل، فيقرران أن يقوما بجولة في الشرق الأوسط.
تبدأ الجولة بزيارة اسرائيل –التي يعتبر تشارلي أنه رجلها في الكونغرس- ويتحدث الرجلان مع شخص من الموساد، يعدهم بتوفير أسلحة لهم، رغم عدم ثقته بتعاون يضم مصر والسعودية ودولتان أخريان –باكستان وأفغانستان- لا تعترفان بحق اسرائيل في الوجود. يزوران بعد ذلك مصر، حيث يستغلان راقصة ليحقق وزير الدفاع كل مطالبهم، وبعد احتفال مع الرئيس الباكستاني –الذي يطالب أن يبقى التحالف مع اسرائيل سرياً- يتم الإعلان أن السعودية ستدفع مبلغاً يعادل ما ستدفعه الولايات المتحدة.
هناك بعد ذلك سلسلة من المشاهد القصيرة التي تمثل الرفع التدريجي للدعم المالي والحربي للمجاهدين، إلى أن يصل إلى مليار دولار تتحملها كل من الولايات المتحدة والسعودية مناصفة. ومن ثم مشاهد أخرى عن خسائر القوات السوفييتية ومن ثم خروج السوفييت من أفغانستان. يلي بعد ذلك مشاهد أخرى عن رفض الولايات المتحدة تقديم أي مبلغ مهما صغر للبنى التحتية والمدارس في أفغانستان التي لم تكن أكثر من ساحة حرب لم تخسر فيها الولايات إلا الأسلحة، ولم يكسب منها الأفغان إلا الأسلحة.
الفيلم يتميز بحواره الساخر ومشاهده الطريفة طول مدته البالغة تسعين دقيقة، رغم أن محتواه السياسي كان ولا يزال مهما، بل وفعّالاً حتى هذه اللحظة. الملاحظ أن الكوميديا في هذا الفيلم أقرب إلى المسلسلات التلفزيونية، ذات القفشات المضحكة، لكنها ليست ملائمة لفيلم سياسي كهذا، ربما لأن الجمهور الأمريكي لا يستطيع ابتلاع السياسة إلا مع الكثير من النكتة.
شخصيات الفيلم هي كشخصيات أي فيلم أمريكي حربي، هناك الأبطال الذين يلحقون الهزيمة بالأعداء، هناك واحد أو اثنان من السياسيين الذين يرفضون القيام بأي خطوة إيجابية لمساعدة الأبطال، الذين يتميزون وحدهم بالذكاء والسخرية، بل والقدرة على فهم الدعابة. بالإضافة إلى افقتارها للدافع، عدا عن الكره المطلق للسوفييت، نحن لا نعرف لماذا تهتم امرأة ثرية من تكساس بلاجئين أفغان.
الفيلم في غاية الضعف من معظم النواحي الفنية، الموسيقى لم تكن على أي قدر من التميز، ومحاولات خلق جو شرقي في المشاهد التي تجري في الشرق لك تكن قادرة إلا على إضحاكي. أما التصوير والإضاءة في الأماكن المغلقة فكانت أقرب إلى المسلسلات التلفزيونية التي يملك المخرج خبرة سابقة فيها، ظهرت –بأسوأ أشكالها- في هذا الفيلم.
من المثير للاهتمام أن الفيلم يقضي وقتاً طويلاً في الحديث عن السوفييت والأفغان والحرب الباردة، دون أدنى إشارة إلى ما تمثله القاعدة وطالبان الآن. ليست هناك أدنى إشارة إلى الاتجاه الإسلامي الذي خصته الولايات المتحدة بالعناية، أو النظام الإسلامي الشديد التطرف الذي قام بعد نهاية الحرب أو حقيقة أن هؤلاء الخلفاء سيصبحون بعد عقد واحد ألد أعداء الولايات المتحدة. أو حقيقة أن الولايات المتحدة دخلت أفغانستان غازية، لتقوم بفظائع لم يقدر الجيش السوفييتي عليها. فالفيلم يتحدث دون حياء عن أن السوفييت يقتلون الأطفال ويغتصبون النساء، فيما فضائح الجيش الأمريكي في العراق -بل وأفغانستان نفسها- لا تزال طازجة.
رغم النهاية المحزنة للقوة الوحيدة التي كانت قادرة على مقارعة الولايات المتحدة، إلا أن الإعلام الأمريكي لا يزال مصرّاً على تصوير السوفييت على أنهم "الأشخاص الأشرار"، في محاولة لاسترجاع تاريخ –تعتبره مجيداً- تمحو به عاراً لا يزال جديداً.